فطست على نفسى من الضحك عندما قرأت بيان وزارة الخارجية حول عقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعها الأخير فى هضبة الجولان السورية، والوزير قال(والله العظيم) "إن ذلك انتهاك لمبادئ القانون الدولى والشرعية الدولية المتمثلة فى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن الجولان جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية التى تم احتلالها من قبل إسرائيل إبان حرب يونيو 1967»، بيان الوزير أو الوزارة هنا لا يدين عقد الحكومة اجتماعها فى الجولان، فهو ليس لديه موانع على الإطلاق، بل هو يعترض على تصريحات نتنياهو خلال الاجتماع.
الذى جعلنى أفطس من الضحك لدرجة القهقة والسخرية المرة، أن وزير الخارجية المصرى لم يجرؤ على إصدار بيانه هذا ليلة عقد الاجتماع الإسرائيلي، بل إنه تشجع وتجرأ وعاش فيها دور وزير خارجية بحق وحقيقى، بعد أن أدانت الدنيا كلها الاجتماع، الإدارة الأمريكية، والحكومة الألمانية وغيرها من البلدان التى يمتلك وزراؤها حرية وشجاعة وقدرة على الاستيعاب للأوضاع السياسية.
تخيلوا أن الخارجية الأمريكية قالت لنتنياهو: إن الجولان ليست جزءًا من إسرائيل وهذا معروف منذ عام 1967، وتخيلوا أيضا ان الحكومة الألمانية تجرأت وقالت لنتنياهو: "إنه لا يحق لدولة إعلان سيادتها على جزء من دولة أخرى»
ووزير خارجية مصر بعد يومين من إدانة العالم للواقعة يصدر بيانا يعيد فيه صياغة ما أصدرته الخارجية الأمريكية والألمانية.
الطريف فى تصريحات وزير الخارجية المصرية أنها ليست مثل الكحك الذى اتفتل بعد العيد بشهر أو شهرين فحسب، بل لأنه جاء وليدة عقلية ومنظومة قلم السكرتارية فى عصر الرئيس مبارك، حيث كانت تصدر لهم التعليمات بعد أن يفوت العيد، وبعد أن يلتهم الجيران الكحك.
فقد كانت مصر تنتظر اتجاه دفة العالم، ثم تصيغ بيانا يسير فى الركاب، سنوات طويلة قضاها قلم السكرتارية أو الخارجية المصرية على هذا النحو، بلا رائحة ولا طعم، ولا لون، ولا أى شىء يذكر، بعد أن يعلن العالم أجمع رأيه تتذكر مصر أنه يجب أن يكون لها رأي مماثل، فتكلف قلم السكرتارية ويصيغ بيانا مما صاغه العالم، خاصة البلدان الديمقراطية الكبرى، ويخرج رئيس قلم السكرتارية أو أحد الموظفين بالقلم ويعلن رأى مصر.
وأطرف ما تصادفه وتسمعه بعد ذلك خروج بعض الأنطاع والشماشرجية التابعين لأجهزة الأمن فى الإعلام، يؤكدون ريادة مصر، فى ماذا؟، وقرارات مصر؟، وجمال مصر؟، وأنه لا حل للقضية العربية والفلسطينية سوى بموافقة ورأى مصر؟، أين هذا الرأى؟، ومن الذى يمتلك القدرة على التفكير؟، وما هى رؤيته؟، ومتى يعلن عنها؟.
أظن أن الخارجية المصرية تحتاج إلى أن تنفض عنها عقلية قلم السكرتارية التابع لصروف أفندى ، وتحاول مرة(خلال المستقبل) أن تطمئن المصريين على أن لبلادهم مؤسسة يمكن أن تعلن رأى مصر بما يتوافق وحجم وتاريخ مصر، وحجم وتاريخ وقامة هذه المؤسسة، خاصة فى القضايا التى تعنى مصر والمنطقة العربية.