المساء
محمد جبريل
من المحرر - محمد صدقي
في 23 مارس 2004 رحل محمد صدقي عن عالمنا.
عرفت محمد صدقي أستاذاً قبل أن أعرفه صديقاً. قرأت له "الأيدي الخشنة" و"الأنفار" قبل أن أغادر الإسكندية إلي القاهرة. وكان في مقدمة أمنياتي أن ألتقي ذلك الأديب الذي رسمت له صورة ــ تبينت فيما بعد أنها لم تكن دقيقة تماماً ــ من خلال تقديم محمود أمين العالم لمجموعته "الأنفار".
بعد أن قرأت مقدمة العالم. تساءلت في دهشة: كيف ينشر محمد صدقي هذا التقديم الذي لا يخلو من ملاحظات.. أليس الكتاب كتابه!..
كتب العالم في تلك المقدمة التي أثارت تساؤلي الداهش عن بعض المآخذ التي تكاد تصيب ــ في بعض الأحيان ــ مضمونها الاجتماعي المشرق. وأبرز المآخذ جميعاً ما يسم بعض القصص وجانب كبير من مواقفها وأحداثها من نزعة خطابيه.
لكن قصص محمد صدقي اجتذبتني إلي عالم يموج بالصدق والغرابة. حتي هؤلاء الذين طالعتهم في الواقع أو في أعمال أدبية. بدوا في قصص محمد صدقي كأني التقيتهم للمرة الأولي.
عالم الصناع والعمال والحرفيين. توضح ذلك العالم بغير ما قرأته في قصص إدريس وروايات محفوظ والأعمال التي سبقتهما أو وافقتها.
شخصيات صدقي ليست هؤلاء الذي يبحثون عن مأوي. أو يتسكعون علي المقاهي وفي الطرقات. ليسوا ناس القاع بمظهرهم الرث واستكانتهم. إنهم يعملون وينتجون ويرفضون البطالة والتسكع والتقوت من جهد الاخرين قد يلجأون إلي الاضراب. تأكيداً لحقهم في العمل وفي الحياة التي تساوي ما يبذلون. لا يحقدون علي الأغنياء. لكنهم يرفضون سطوتهم علي حق الاخرين في الحياة بكرامة. ربما تشوب القصص جهارة. وقد يعلنون آراء زاعقة أو شعارات.. لكن ذلك هو التعبير الأصدق عن إصرارهم علي مجاوزة الظروف التي يحيونها. والرغبة في المجتمع الذي يظلل برفاهيته كل المواطنين.
حين أزمعت السفر إلي القاهرة. ومحاولة الاستقرار فيها. كان في مقدمة ما أتمناه ــ كما رويت لك ــ أن ألتقي محمد صدقي. وأصافحه وأشكره علي ما تحقق لي في أعماله من متعة مؤكدة.
كتب محمد صدقي مذكراته. وكما روي لي فقد ذكر كل شيء في حياة رائعة. شاقة. تمازج فيها النضال والأمل. كان يؤلمني ــ فيما يرويه لي ــ إداناته المعلنة لكثيرين من أبناء جيله". ما حدث سأرويه. لن أخفي شيئاً" وكنت أحذره من أن يفقد صداقات نعتز بها. وأعرف أنه حريص عليها. لكنه لم يعدني بأن يتركها لوحيده حتي يرحل. فينشرها. ويعرف من خذلوه مدي الأخطاء التي ارتكبوها.
تنهدت مرتاحاً ــ اعترف ــ حين جعل النجل الغالي من المذكرات. وكل ما تركه محمد صدقي من أوراق. نشر ألقها. ولم ينشر معظمها وليمة طيبة للنيران. كان الابن يكره مهنة أبيه. وانعكست الكراهية تصرفاً مجرماً. ليس في حق أبيه فحسب. وإنما في حق الابداع العربي.
تصرف الابن بإيعاز من مسئوليته المطلقة. اللاهية. ففعل ما فعل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف