سبق وذكرنا هنا أن المادة 103 من الدستور اشترطت تفرغ الأعضاء التام للعمل البرلمان، وأنها أكدت بشكل صريح أن: «يتفرغ عضو مجلس النواب لمهام عضويته، ويحتفظ له بوظيفته أو عمله وفقا للقانون».
وقد سبق وقلنا إن المادة الدستورية عامة وقاطعة لا تقبل التأويل ولا التخصيص، وشرط التفرغ فيها عام يشمل جميع الأعضاء في القطاع الخاص أو الحكومة، ولا يسمح بأية استثناءات، كما أنه عام وقاطع في المحافظة للنائب على عمله، سواء كان أستاذا في الجامعة أو ضابطا في الشرطة أو صحفيا أو طبيبا أو رجل أعمال أو إعلاميا أو محاميا، التفرغ والمحافظة لجميع المهن.
والنص كذلك لا يقبل الجمع بين عضوية البرلمان وعضوية أية نقابات أو مجالس إدارة لشركات أو أندية أو بنوك أو أية مؤسسات، فقد اشترط التفرغ لكى لا تتعارض المصالح، ولكى لا يقوم البعض باستغلال وظيفته أو عضويته في أي جهة لصالح عضويته أو العكس.
والحديث عن استثناء البعض من التفرغ مثل أعضاء هيئة التدريس(كما في اللائحة القديمة) أو الإعلاميين أو الصحفيين أو أعضاء مجالس إدارة البنوك والشركات والأندية والمؤسسات والجمعيات، وكذلك الحديث عن عدم المحافظة على وظيفة البعض مثل ضباط الشرطة، يعد مخالفة دستورية صريحة لنص المادة 103، والمفترض أن يلزم البرلمان بنص المادة الدستورية في إعداد مواد التفرغ باللائحة الجديدة.
ويفترض أيضًا أن تلتزم المواد بعمومية الشرط في التفرغ وفى المحافظة على الوظيفة، خاصة بعض المهن التي تؤثر على رأى الأعضاء وقراراتهم، على سبيل المثال مهنة الصحافة والإعلام، وكذلك ملكية الصحف والفضائيات، حيث يمكن للعاملين في الإعلام والصحافة أو ملاكها استخدام القناة أو الصحيفة في التأثير على الأعضاء، ودفعهم إلى اتخاذ قرارات تخدم على مصالح الصحفي أو الإعلامي أو مالك المؤسسة، وهو يعنى ببساطة تسخير البرلمان لتحقيق مصالح أو الأجندة السياسية للمذيع أو الصحفي أو مالك الصحيفة والفضائية.
وذكرنا من قبل أن واقعة فصل النائب توفيق عكاشة أبلغ شاهد على توظيف وسائل الإعلام في توجيه قرارات البرلمان، حيث شنت بعض الفضائيات حملة مكثفة لإسقاط عضوية النائب، وقد نجحت بالفعل في التأثير على الأعضاء، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على قرارات البرلمان المستقبلية.
اليوم وبعد أن تمت إجازة لائحة البرلمان نعيد ونكرر: يجب أن تلتزم لائحة البرلمان بشرط النص الدستوري، وهو التفرغ، وأن ننفذ نص المادة على الجميع، لو كان العضو لا يتقاضى راتبا أو مكافأة من الجهة التي يتبعها، كانت في الفضائيات، الصحف، مجالس الإدارة (الجمعيات، الأندية، الشركات، البنوك، الهيئات)، لتجنب شبهة التأثير على إرادة المجلس، وأيضا لعدم استغلال الجمع بين العضوية والمهنة.