التحرير
أحمد عبد التواب
التجربة السورية وسيلة إيضاح..
إسرائيل هى التى أعادت إلى الذاكرة الأسبوع الماضى أن هنالك شيئاً اسمه هضبة الجولان، التى هى سورية والتى هى محتلة منذ حرب 1967، وذلك عندما عقد مجلس الوزراء الإسرائيلى اجتماعه على أرضها وأعلن خططه عن ضمها إلى إسرائيل!

وهذا إعلان إضافى يُعزِّز من حقيقة لا ينبغى المجادلة حولها وهى أن السوريين فشلوا، حكومة وشعباً، فى السياسة التى تبنوها عبر نصف قرن والتى اخترعوا فيها شعار أن مفتاح السلام فى يد سوريا! وغرابة الشعار فى أنه أحدث لدى السوريين رضا عاماً، دون أن يبذلوا مجهوداً يثبت صحته، وتركوا السنين تمرّ وقلوبهم مطمئنة. والأكثر غرابة أن الشعار كان له، أيضاً وفى نفس الوقت، وقع طيب لدى إسرائيل، ما دام أنه لا يُغيِّر شيئاً على الأرض، بل لا يُشكِّل أى خطر جاد على إسرائيل، بل إن خطره كان بالأساس على السوريين إلى أن وصل إلى أن خدَّر وعيهم العام بأنهم مسيطرون، وأنهم وضعوا الإسرائيليين فى مأزق أمام العالم، بينما الحقيقة غير ذلك تماماً!

تحت الاستبداد السورى الرهيب لعدة عقود، ومع عجز المجتمع عن إحداث تغيير جذرى، أو حتى فرض سياسات بديلة على نظام الحكم، ومع الفشل فى الضغط على العدو المحتل لقطعة عزيزة من الوطن، ومع عدم الانتباه إلى خطط الأعداء بعيدة المدى، ومع التهاون فى ترك اتجاهات التطرف الدينى المُخرِّبة التى لا تعترف بالوطن، والتى تعتمد التكفير مع كل مخالف لها، والتى تتيح سفك الدماء، والتى لا تمانع فى أن تكون طابوراً للأعداء، والتى وجهت ضرباتها بلا رحمة للجيش السورى وأنزلت به خسائر فادحة بسلاح أعداء الوطن، وفى مناخ موات لها هيأه أعداء الوطن، انحدرت سوريا إلى هذا الدرك الخطير، الذى انشغل فيه الناس بالدفاع عن أرواحهم، وعن ذويهم، وفى البحث عن النجاة خارج الوطن، ولم يكن أمام المتيسرين منهم سوى المخاطرة بالحياة فى عرض البحر!

وضاع الاهتمام بهضبة الجولان، ولم يعد لها ذكر فى الأخبار المتداولة فى الصحف والتليفزيونات، بل فى التعليقات على الإنترنت، حتى عقد مجلس الوزراء الإسرائيلى اجتماعه الأخير على أرضها.

هل هناك قوة فى سورية الآن يمكنها أن تواجه هذا العدوان الإسرائيلى الصارخ؟ هل هناك دولة أو قوة عربية يمكن أن تساند السوريين مساندة فعالة؟ الإجابة بالنفى القاطع، بل لم يتردد سوى بعض بيانات إنشائية هزيلة من بعض العواصم العربية ومن جامعة الدول العربية التى تحذِّر إسرائيل بأنها تجازت الخطوط الحمراء!!

أما الجيش السورى المضعضع فهو غارق فى مواجهات استنزاف دامية ضد إرهاب مسلح ومدعوم من الخارج، يرفع شعارات الخلافة الإسلامية، ويقيم أسواق النخاسة لبيع الجوارى، ويقطع الأيادى فى السرقات الصغيرة، ويرجم الزناة، ويجلد تاركى الصلاة، ويحرق الكفار ويغرقهم فى المياه ويجزّ أعناقهم بابتكار المنشار الكهربائى تطويراً للسيف الذى لا يفى بالأعداد المطلوب أعدامها بالسرعة الواجبة.

كان المخطط الرهيب يستهدف أساساً تدمير الجيش السورى، ليس بيد الأعداء من الخارج ولكن من داخل البلاد، وكان المرشحون للمهمة على أتم حال من الجهوزية، بعد الدعم الخارجى بالسلاح والمال، وساعدهم إلى حد كبير جرائم نظام الحكم بأداة الجيش التى ضربت عبر سنوات ممتدة من الحكم فى الأغلبية من السكان، الذين اختلط عليهم أن يهنأوا بأمر الإجهاز على جيش الاستبداد، الذى عانوا من ويلاته، بالتورط فى تأييد خطة تدمير الوطن!

وهكذا انزلق مواطنون صالحون فى التهليل للضربات الموجعة التى حاقت بجيشهم، واندس فى صفوفهم معارضون بأجر يسعدهم أن يروا تدمير الجيش الذى كان يمكنه فى الحد الأدنى أن يعرقل الجريمة المركبة ضد الوطن وضد هؤلاء المهللين، أو أن يؤخرها، أو أن يكبد أصحابها خسائر!

ساد الاحتراب الداخلى فى سوريا وعزَّزه عدم اتفاق الناحية الأخرى، الرافضة من ناحية المبدأ للإرهاب المتخفى تحت شعار الدين، على مبدأ الالتقاء على حل وسط، وإنما تبنى كل طرف منهم المعادلة الصفرية، ان يحصل على كل شيئ وأن يغمط كل الأطراف الأخرى كل شيئ!

أما فى مصر، فقد نجا جيشها حتى الآن من هذه المخططات الرهيبة، بل لقد كسب لنفسه وللشعب مساحات لا بأس بها بالنيل من هذه الجماعات الإرهابية التى هى رديف حقيقى على الأرض للأعداء، تماماً مثلما هم فى سوريا. ولكن المشوار فى مصر لا يزال طويلاً حتى يتحقق النصر الحقيقى على الإرهاب، لأن المخططين لمثل ما حدث فى سوريا لم يفقدوا الأمل ولم يهدأوا، وليس من المتوقع لهم أن يهدأوا، حتى يحققوا ما يرمون إليه.

كان كل هذا أدعى لمزيد من الحسابات الجادة الحذرة من نظام الحكم فى مصر بعد 30 يونيو، بأن يعمل على تدعيم الجبهة التى تتصدى لإرهاب الإخوان وحلفائهم، أو فى الحد الأدنى أن يحرص على تماسكها والتصدى لأى محاولات للنيل من وحدتها. كما كان على التيارات والقوى التى خرجت ضد حكم الإخوان ونادت الجيش بالتدخل لإنفاذ الإرادة الشعبية، أن تحسن ترتيب الأولويات وأن تتفادى الشطط فى المطالب وفى معارضة الحكم.

ولكن، وللأسف الشديد، فقد وصلنا إلى مفترق طرق، صار الخوف من القصور الذاتى فيه أخطر من الأفعال المقصودة والمرسومة.

لم ينتبه الحكم إلى انفراط جبهته التى كانت بعشرات الملايين، والتى تحمست لقراراته ومشروعاته، ولم يتحل بسعة الصدر الواجبة أمام انتقاداتهم، برغم أنها منطلقة من أرضية المشاركة، واستعاض عنهم فى أحوال كثيرة برموز من العهود البائدة التى ثار الشعب عليها وعليهم. وفى نفس الوقت، لم يسلم موقف المعارضة دائماً من الدفع بالمزايدة إلى الخيار صفر.

ليست التظاهرات التى يُعدّ لها هذه الأيام بحدث بسيط، لأنها سترسم على الأرجح شكل المرحلة القريبة للبلاد، بما يضاعف من المسئولية، أولاً، على الدولة، وثانياً، على الداعين للتظاهرات والمشاركين فيها. على الأقل باحترام الدولة للحق الدستورى فى التظاهر السلمى، وبالتزام المتظاهرين بالسلمية وبطرح أولويات قابلة للتطبيق، مع الوضع فى الاعتبار خطورة البدائل التى ترجع بنا مرة أخرى إلى مرحلة انتقالية تدمر كل ما تم انجازه منذ الإطاحة بمبارك، وبالحذر كل الحذر من أن يندسّ الإخوان وحلفاؤهم بأنفسهم أو باختياراتهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف