فيتو
محمد طلعت الجندى
على نقيض الانتحار القومي
بكلمات طيبة توحي بالأمل و"الانشكاح" والفخر الوطني بتلك البلدة التي لا ينكر أحد فضلها وأهميتها للمنطقة وللناس كافة، فهي البلد الذي أقر الله سبحانه وتعالى أن من دخلها آمن، لكن طبعًا بعد قول الله لا يوجد لكن... أستغفر الله العظيم!

وعن أسباب الانتحار القومي يأتي الاستفسار ونسأل الله، عمن يعيشون في تلك البلدة، هل هم أيضًا آمنون، أم أن الأمان حكر على من أتاها غريبًا يأوي إليها؟ وماذا عن سجن الغريب فيها وتعذيبه وموته؟ هل يحتاج الأمر إلى عجز مؤسسات الدولة عن تفسير حلم الفرعون، فيأتون بالغريب لتفسيره ومن ثم إنقاذه؟ فالسرقة والنهب ومص طيبات البلدة للغريب إن جاء فاتحًا مستثمرًا شاريًا العرض والأرض، متخذًا منا عبيدًا وتُبع، وله السيادة والتفوق.. كلها استفسارات لا تحتاج إلى وضع علامة استفهام ولا حتى تعجب.

بصيغة أخرى تعكس قوة خيبة الأمل، وحدهم يرون الجبروت أملاً والسراب إنجازات، وطبيعي جدًا كلاب العالم ستنطلق على الدنيا كلها إن سقطت مصر، فهي تمنع الكلاب من الهبش في العالم، وتترك كلاب العالم تنهش فيها وفي لحم عيالها.. حقًا في سقوط مصر هذه المرة سيسقط العالم وتسقط الدولة، وتعم الفوضى.

لكن.. كم مرة سقطت مصر؟ هل شعر أحد بسقوطها؟ العالم كله شرب نخب السقوط، وفرح ورقص وطرب، وآخرون انتزعوا منها السيادة والقيادة وتركوا لها إعلامًا يمدح المنتزع، إذن قدر مصر النجاح وليس الفشل بعودة المنتزَع منها!

وبعيدًا عن أجواء الاستحمار العاطفي، مصر فشلت أكثر من مرة عندما حكمها حكام ضعاف من الظل، وصلوا لعرشها بالصدفة أو تم تصعيدهم حسبما شاء الظرف السيئ، حيث طاحونة الصراع السلطوي، وتفريغ مصر من البديل الذكي.

النغمة الرائجة هذه الأيام هي أنه لا بديل، وأن الرضا بالمقسوم هو خير معين، الخطاب المصاحب لهذا مثل من يتحدث ويلوم المرأة التي كرهت معاشرة زوجها، وعليها السكوت وإلا فخراب وفوضى البيت وتشريد العيال وضياع المرأة هو البديل، وما عليها إلا احتمال استحمار زوجها!

إذن الطلاق الحلال عملية صعبة مثله مثل التحول الديمقراطي، القضية المؤجلة، لأن أهل البيت والزوجة لا يتماشى معهم حقوق الإنسان المعمول بها في "بلاد برا"! منطق سفيه وتبرير شبيح، وخلط فاضح بين الفاشل وبين الفاسد وعربدتهما في لحم الضحية تحت إطار الشرعية، ومزاعم سقوط الدولة والنظام، وخراب البيت، أشياء لا تدور ولا تجتمع إلا في عقل مهووس بتزمت السلطة.

الخائفون من كل حدث يدور في البيت المصري، ومن لديهم ارتكازية رقم (25)، هم الفاشلون ومن تبعهم من الفسدة، إن الإصرار على خلق فزاعة سقوط مصر بسقوط نظامها ودولتها القائمة، وربط أمن مصر بأمن وحماية والدفاع عن شخص النظام المتمثل في الرئيس السيسي، أمر قد يؤدي إلى تهلكة شخصنة الدولة في الرئيس.

وعليه إذن أن تعي الدولة والرئيس أن حالة الزواج الكاثوليكي التي يصران عليها قد تتسبب في التعاسة المجتمعية وبطالة وعطالة المشاعر القومية، وهذا سيؤدي إلى الانتحار القومي، والكفر بفكرة الدولة المقدسة.

وما يحدث في الشارع بكل أطيافه الآن خير دليل، وللأسف خطاب المؤيدين والمعترضين لشخص الرئيس يصب أيضًا في الاتجاه نفسه.

على من في السلطة أن يدركوا التغيرات في لهجة الخطاب الدولي والعالمي بين فكرة الرئيس وشعبه، وبين الدولة والمجتمع.. خطاب الخمسينيات والسبعينيات مرورًا بعصرنا الحالي، خطاب متهلل، وأدت نتائجه إلى فقر الخيال القومي والمرض الوطني وهوس استغلال السلطة، وفوضى المجتمع وضبابية الرؤية الشعبية.

النظام العالمي يمضي نحو التغيير في بنيته وطبيعته، وكل يوم في شأن جديد، وفكر مبتكر حر دعائمه المشاركة والاندماجات، بهدف المصلحة، لخلق بيئة توازنية في المجتمع الدولي، الكل يبحث له عن منفذ للتفوق والريادة والزعامة، فأين مصر من ذلك؟ هي سلّمت زعامتها وقيادتها وارتضت أن تقوم بدور عشيقة الظل المنتقبة (علشان شيوخ الأسياد يرضوا عليها).

لا تفزعوا منها إن ثارت أو غضبت، اتركوا لها متنفسًا من التعبير الجاد، إن في الكلمة حق، وفي الحق وجع، فتحملوها إن صرخت فيكم بالحق، وكونوا على يقين أنها لن تضيع، وعيالها لن يضلوا، فقط أعطوهم الحرية وحق الاختيار بلا وصاية.

أعلم أن الوقت واجل والكل واجف، لكن.. وحقًا لا أحد يريد لمصر السقوط، ولا لنظامها الانهيار، فقط يريد متنفسًا من بصيص الأمل وإنجازًا حقيقيًا يمس جيوب الناس مباشرة، والأهم يمس عقولهم وأمنهم الشخصي، والحزم مع العربيد الخفي داخل السلطة نفسها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف