ابراهيم نصر
المعلوم بالضرورة.. جهل يوسف زيدان
يوسف زيدان صاحب الفرية الداحضة بأن المسجد الأقصى المقصود في سورة الإسراء كان بين مكة والطائف وليس فى القدس، محاكاة وتكراراً لأفكار الإسرائيليين النافية للحقوق العربية فى فلسطين المحتلة. وقد رد عليه فى حينه علماء متخصصون فى التاريخ الإسلامى والدراسات العبرية من بينهم الدكتور إبراهيم البحراوى الذى أكد جهل زيدان المطبق ونقله الحرفى الساذج لأقوال علماء إسرائيليين يأتى على رأسهم د. مردخاى كيدار الذى يدَّعي ما يدعيه يوسف زيدان حرفياً دون أي سند معتبر.
بعد هذه الفضيحة العلمية والتاريخية، لم يحاكم يوسف زيدان على افتراءاته ومغالطاته، وسيره على درب علماء إسرائيل ذات جهل أو عمالة مدفوعة، ولم يتم تجريسه بين المثقفين الذى يعتبر نفسه واحداً منهم، بأن يركب حماراً بالمقلوب ويزفه صبيان المدينة ويقذفونه بالحجارة والبيض الفاسد، وإنما مازال هذا الزيدان يطل علينا بفاسد رأيه وغريب آرائه، فطالعنا يوم الثلاثاء الماضى بمقال فى صحيفة المصرى اليوم تحت عنوان "إعادة بناء المفاهيم .. الثابتُ والمعلومُ بالضرورة" وأخذ يرغى ويزبد فى حزلقات لغوية حول معنى الثابت ونطق الثاء تاءً فى اللهجة المصرية، ثم فى النصف الثانى من المقال بدأ كلامه عن المعلوم من الدين بالضرورة بقوله: (وندعو الله أن يكون كلامنا خفيفاً على القراء، ومحبطاً للمتربصين المترصدين!)، ثم يقول: إن هذه المقولة التى اعتبرناها بمثابة القاعدة، ثم صارت قانوناً وتم ترويجها على نطاق واسع فدفع كثيرٌ من النجباء ثمناً باهظاً لانتشارها، حين خالفوا ما هو «معلوم من الدين بالضرورة».. مع أنها عبارة فضفاضة لا تدل على مفهوم محدد، وتحتاج مراجعة على مستوى الصياغة، وعلى مستوى الدلالة والمعنى.
فهو يرى أنه على مستوى الصياغة واختيار المفردات، لم تحدَّد العبارة بدقة معنى كلمة «الدين» .. ويتساءل: هل هو مطلق الدين؟ ويجيب: هذا بالطبع لا يصح، لأن المعلوم من ديانة الهندوس يختلف عما هو معلوم عند المسيحيين، ومعلوم من البوذية ما يخالف المعلوم من اليهودية.. وهكذا!، فهل المراد بالدين هنا هو الإسلام تحديداً؟، وهذا بالطبع لا يصح، لأن فى مجتمعنا ملايين لا يؤمنون بالإسلام كديانة، وإنما يدينون بغيره كالمسيحية أو البهائية، والمعلوم عند أصحاب هذه الديانة أو تلك، يخالف ما هو معلوم عند المؤمنين بغيرها!.
ثم يواصل زيدان استظرافه الاستفهامى فيسأل: هل المراد تحديداً: المعلوم من الإسلام بحسب عقيدة أهل السنة والمذهب الأشعرى الذى يستمسك به الأزهر الشريف؟ ويجيب: هذا أيضاً لا يصح، لأن هناك معلوماً من الأشعرية يخالف المعلوم عند المعتزلة والإباضية والإثنى عشرية... إلخ!، ثم يسأل: فما هو مفهوم «الدين» هنا، على وجه الدقة؟! ويوضح أن سؤاله هذا استنكارى وليس استفهامياً.
وأقول: إذا كان زيدان يدرك الفرق بين السؤال الاستنكارى والاستفهامى، فليسمح لى أن أضيف لمعلوماته أن هناك سؤالاً استحمارياً ويندرج تحته معظم استفهاماته التى تضمنها مقاله، والذى صار معلوما لدىّ بالضرورة هو جهل يوسف زيدان هذا، ولن أكمل بقية استفهاماته الاستفزازية، وإنما فقط أجيبه بأن "المعلوم من الدين بالضرورة" مصطلح إسلامى، فهو يخص دين الإسلام دون غيره، ولا خلاف أبداً بين المسلمين -كما يزعم- على المعلوم من الدين بالضرورة، فهل من خلاف بين المسلمين على أن الله واحد، وأن نبى الإسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وأن الصلوات المفروضة خمس صلوات، وأن الصبح ركعتان والمغرب ثلاثة والظهر والعصر والعشاء أربعة .. وهكذا دون إسهاب أو حصر، فالمعلوم من الدين بالضرورة محل اتفاق بين جموع المسلمين فى كل زمان ومكان منذ بدء الرسالة وإلى قيام الساعة والمختلف فيه لا يدخل أبدا فى المعلوم بالضرورة. واعلم عزيزى الجاهل أن هناك فرق بين الدين والنحلة بكسر النون، فالبهائية والبوذية من النحل الوضعية، وإن أردت تفصيلاً لذلك فأحيلك لكتاب الملل والنحل للشهرستانى، فإذا قرأت لعلك تفهم.