ظلم المجتمع " الأنا" علي مدى الدهر، نعتها بشتى الأوصاف التي تنفر الإنسان منها. كنت ممن ساروا علي هذا النهج طوال سنوات عمري النصف مئوية!.
حتى اكتشفت أن للأنا أهمية قصوى في حياتنا، وجزء ايجابي لولاه لتحولت حياتنا إلي بؤس وشقاء. وهذا الجزء هو كالشعرة من تجاوزها، استكمل الجزء الثاني السيئ من الكلمة لتتحول إلى( الأنا نية).
جاء هذا الاكتشاف أثناء نظرة تأملية لحال المرأة، في رحلة بحثها الطويلة عن السعادة، في تفتيشها عن لحظات فرح مع الأصدقاء ، مع الأهل، مع الحبيب، مع الزوج، أو الأبناء.
تربت الفتاة منذ نعومة أظافرها، في البيت والمدرسة، وفقا لمنظومة ترسخ لديها الجانب الوحيد من مفهوم الأنا، ألا وهو كونها الصفة المذمومة الأنانية.
ومنذ المرحلة الابتدائية وهي تتعلم في كتب القراءة دروس عن دور الفتاة كزوجة، ودورها كأم ، وضرورة التحلي ببعض المبادئ الجميلة، مثل العطاء، التفاني، والتضحية. فهي إن تعلمت فمن اجل تربية الأبناء تربية سليمة، وإن عملت فهي لتكافح مع الزوج لبناء البيت، أو هكذا كان الأمر في جيلنا.
وحين تصل إلي مرحلة الزواج، تظهر إبداعاتها في قمع الأنا، كي تثبت للجميع نجاح دورها كزوجه وكأم. مع الوقت ومرور الزمن، تتلاشى تدريجيا أحلامها الخاصة، وسعادتها الشخصية، بعد أن ذابت عندها الأنا في الأنا للزوج وفي الأنا الأبناء. فتستعيض عن سعادتها بسعادتهم، وتفوقها بتفوقهم!.
وتتم عملية الإحلال الكلي لأحلامها وطموحاتها بأحلام وطموح الزوج والأبناء، فتحقيق النجاح الشخصي يتأتى بنجاح الابن، تتحقق الفرحة بتفوق الابنة ، تكتمل السعادة في رؤية الزوج سعيد.
لكن ماذا لو لم يحقق الزوج أحلامه وطموحاته وأصبح تعيسا؟ ماذا لو لم يحقق الأبناء الآمال المعقودة عليهم وتنتظرها الأم في لهفة لتحقق سعادتها؟
لن تشعر الزوجة والأم بالخيبة وفقط، بل سيتزامن حزن الزوج والأبناء مع حزنها، وتتحول حياتها إلى موجات متعاقبة من الآلام والكآبة.
حتى وإن حقق الأبناء والزوج نجاحات وأحلام الأم فيهم. في لحظة ما بعد أن ينفض كل منهم إلي شأنه وحياته الخاصة. ستجد حياتها فارغة، فلم يعد لديها من تحلم لهم، أو تحقق فيهم السعادة.
هنا وفقط سيظهر احتياجها " للانا" ولكن بعد فوات الأوان!.
الأنا الحميدة للمرأة ليست مرادف التخلي عن العطاء والتضحية والتفاني، بل هما طريقان يكمل كلا منهما الأخر. فاستمرار المرأة في طموحها وأحلامها الخاصة جدا، والسعي لتحقيقها، لا يتعارض نهائيا مع عطاءها وإخلاصها للزوج والأبناء، والشعور المكتمل بالسعادة مع تحقيق أحلامهم الخاصة.
بل أن عدم تخليها عن أحلامها الخاصة، يزيدها تألقا وإشعاعا للروح الطموحة، المحققة للانجاز والتفوق.
تشبث المرأة بأحلامها الخاصة، يضفي بداخلها سعادة تشع سعادة على كل من حولها.
حدود الأنا الحميدة بألا تتخطى حدود واجباتك كزوجة أم ، فتقطع الشعرة وتصبح الأنانية القبيحة.
تخليك عن روحك وأحلامك الخاصة، سيجعلك مسخ لكائن لا شبيه له في الكآبة ، عيشي نفسك، وأشبعي الأنا بكل ما تحلم به، من أتفه الأحلام لأعظمها.
الأنا الحميدة أي حبك لنفسك لن يقتطع جزء من حبك لزوجك أو أبنائك، بل سيزيد مقدار حبهم في قلبك، فكما تعلمنا (العقل السليم في الجسد السليم)، عليك أن تتعلمي أن (الأنا الحميدة في الزوجة والأم الحميدة).