المساء
خيرية البشلاوى
رنات -الثروة والجريمة
"وراء كل ثروة كبيرة جريمة كبري" قائل هذه الحكمة أحد رواد الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر من الفترة التي أعقبت سقوط نابليون وهو أوندريه دي بلزاك honore debalzak "1799 - 1850" الذي يعتبره الفرنسيون من أهم الروائيين الذين قدموا المجتمع الفرنسي وسبروا أغواره وأنه هو والأديب الفرنسي فلوبير مؤلف "مدام بوفاري" من أسسا الواقعية في الأدب الأوروبي.
كان أونريه بلزاك برغم الشهرة والمكانة الأدبية والنجاح الجماهيري الكبير لأعماله مثقلا بالديون دائم الهروب من دائنيه يتقمص اسماء وهمية وينتقل من مكان لآخر وكانت تجربته الحياتية العميقة والعريضة تؤهله لأن يكون مثقفا موسوعيا واسع المعرفة قادر علي الألمام بأبعاد الشخصيات الإنسانية العادية وغير العادية والفقيرة والغنية وكانت له حكم وأقوال ومنها تلك الحكمة التي بدأت بها هذا المقال والتي التقطتها قبل سنوات طويلة وفي الحال سكنت العقل الواعي. وكانت رغم قصرها "الكبسولة" التي تختزل خواطر شتي تموج وتطفو كلما صارت جرائم الثروة تغول وتلتهم مشاعر السكينة التي نجاهد كبشر من أجل التمسك بها حتي لا نغرق في المرارة ومشاعر الفشل والعجز أمام طاغوت اباطرة المال.
فعلا وراء كل ثروة كبيرة جريمة كبري ودعني أدعوك لتأمل المشهد الآتي الذي يحاصرنا واستحضر وأنت جالس في مقعدك تتأمل الصحف اليومية الصادرة في القاهرة أو تشاهد شاشات التليفزيون وحاول أن تحلل الظواهر التي تتداخل وتتصارع وتتنافس وتتسابق وادخل بخيالك إلي المصانع المنتجة لما يسمي بالقوة الناعمة. ثم اقفز إلي أصحاب هذه المصانع والضالعين في خطوط الانتاج. واستخدم حسك الدرامي. ومعرفتك وخبرتك بالشخصية الإنسانية وبعض معلوماتك عن كيفية امتلاك المليارات وكيفية تجمعيها في سنوات ليست طويلة لدي فئة من المتنفذين والمتسلقين استحلت أراضي الشعب. والدولة وأموال بنوك رسمية ولو مهتم بحكم عملك وانتمائك حاول أن تراجع الأساليب التي يتم فضحها احيانا لنهب المال العام. وقتل المصانع الوطنية لحساب مشروعات فردية وسحق الصناعة الوطنية لحساب الاستيراد والعمولات ولاحظ كم عدد المرات التي تهدمت فيها الشوارع والأرصفة ثم اعيد رصفها لتتهدم من جديد. لاحظ الدائرة الجنهمية التي تسيطر علي أدمغة الناس من خلال صناعة "الدراما" وملحقاتها في البرامج حتي تعرف التخريب الحاصل للضمير والعقل المجتمعي. وكيف يروج للصور الذهنية المشوهة والقبيحة لفئات من الشعب المصري وراجع الفيلم العبثي الذي تعيش فيه حاليا وتضطلع بدور تؤديه فيه وأنت لا تدري. أو تدري ولا تملك المقاومة.
اختلفت أنواع الجريمة بالتأكيد وتطورت أساليبها وتقنياتها وتنوعت جغرافية البنوك التي يتواري ملاك الثروات داخل خزائنها.. وتطورت حتي موديلات الثراء والأثرياء. وسطعت الاضاءة المسلطة عليهم دون أي حياء. وأصبح العرض فوق مسرح مكشوف ممتد شديد الاتساع.. ولكن هذا كله لا ينفي أن وراء كل ثروة كبيرة جريمة كبري.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف