مؤمن الهباء
شهادة -قبل أن تقع الواقعة
كان بودنا أن نصدق السيناتور لوتشو باراني زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الايطالي ونتفاءل بتصريحاته التي قال فيها إن جريمة قتل ريجيني كان وراءها أهداف سياسية واقتصادية.. وأن أعضاء الأغلبية في البرلمان الايطالي مقتنعون تماما بأن الحكومة المصرية لا علاقة لها بهذه القضية.. وهناك حاجة لفهم أن هناك عناصر عدوانية متحالفة مع قوي اقتصادية لدول أخري تريد أن تأخذ لصالحها التعاقدات الاقتصادية وأن تحل محل ايطاليا في علاقاتها مع مصر.
نعم.. كان بودنا أن نصدقه ونتفاءل بتصريحاته.. فهو زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ.. وهو يبشرنا بأن الأغلبية في البرلمان الايطالي.. التي تستطيع توجيه دفة السياسة الايطالية .. مقتنعة بأن الحكومة المصرية لا علاقة لها بالجريمة.. فأين المشكلة إذن؟.. ولماذا كل الأبواب موصودة أمام التفاهم؟ ولماذا تلجأ الحكومة الايطالية دائما نحو التصعيد؟
المشكلة - فيما أري - أن السيناتور باراني منحنا تصريحاته الجميلة وهو يتحدث إلينا من خلال حوار مع النائب السابق محمد أبو العينين المعروف بعلاقاته الوثيقة مع ايطاليا والرئيس الشرفي للبرلمان الأورومتوسطي والسيناتور فرانشيسكو أموروزو الرئيس السابق للبرلمان الأورومتوسطي الذي قال هو الآخر كلاما مريحا وهم يتحدثون علي قناة فضائية مصرية موجهة إلينا نحن المصريين.. والافضل والأجمل والاصدق أن ننقل عن الرجلين ما يقولانه لشعبهما.. ومن فوق منابرهم الاعلامية.
المشكلة اننا اعتدنا من هؤلاء القوم أن يعطونا من طرف اللسان حلاوة مخدرة ومهدئة.. وأن يتحدثوا إلينا بوجه غير الوجه الذي يتحدثون به إلي شعوبهم.. والمصيبة اننا نصدقهم في كل مرة ونعتقد أن الموضوع انتهي.. بينما التصعيد يجري علي قدم وساق.
عندما شن البرلمان الأوروبي حملة شعواء علينا.. وهدد وتوعد.. بإيعاز من البرلمان الايطالي قام وفد برلماني مصري بزيارة إلي البرلمان الأوروبي لشرح القضية واظهار الحقائق.. وجاءت التصريحات من هناك تقول إن البرلمان الأوروبي اقتنع بالحقيقة وتفهم الموقف وقدم اعتذارا للوفد البرلماني المصري.. لكن ما إذ عاد وفدنا الهمام إلي أرض الوطن حتي سمعنا من البرلمان الأوروبي كلاما آخر أشد هجوما وأكثر عدوانية.
وقبل ذلك قام وفد أمني رفيع المستوي بزيارة إلي روما.. وقيل إنه يحمل الحقائق الخاصة بجريمة مقتل ريجيني لاطلاع الجانب الإيطالي علي سير التحقيقات.. وفي اليوم الأول للزيارة التقطت الصور وسمعنا كلمات للمجاملة.. وفي اليوم الثاني قلبوا لنا ظهر المجن.
والسؤال الآن: هل المشكلة فيمن ينقل إلينا أخبارهم غير دقيقة.. أم المشكلة في أنهم يقولون لنا كلاما جميلا ثم يقولون من ورائنا كلاما آخر؟
المعروف أن ايطاليا تبذل جهدا خارقا هذه الأيام لتدويل القضية بحسب صحيفة "لاربيبوبليكا" الايطالية التي نقلت عن وزيرة الخارجية الايطالية السابقة قولها "إنها مسئولية ملقاة علي عاتق أوروبا بأكملها.. قضية ريجيني تتعلق بمسألة سياسية ومسألة أمن قومي في منطقة المتوسط.. وهناك ضرورة لمناقشة الأمر مع الولايات المتحدة علي وجه الخصوص.. لقد سلكنا الطريق القضائي فلم نصل لشئ والآن نسير في الطريق السياسي.. حيث قام وزير الخارجية باستدعاء سفراء 27 دولة أوروبية وشرح لهم الموقف وطلب مساعدتهم.. وهؤلاء سيقومون بدورهم في تعبئة المؤسسات الأوروبية المعنية للتحرك والتشاور حول ما يمكن فعله في هذا الاطار.
اكتب هذا المقال مساء الأربعاء.. وأعرف أن هناك وفدا ايطاليا في القاهرة للاطلاع علي سير التحقيقات.. وأرجو أن يكون التعامل معه هذه المرة بجدية وفاعلية.. ولا يخدرنا بتصريحات المجاملة ويخفي غير ما يعلن.. المسألة يجب ان تؤخذ علي محمل الجد ولا يكفي أن يصرح المتحدث باسم الخارجية المستشار أحمد أبو زيد بأننا طالبنا الجانب الايطالي بتخفيف الضغوط السياسية في هذا الشأن.
القضية صارت تتدحرج مثل كرة الثلج.. وأوروبا كلها في ساعة الجد ستقف مع ايطاليا.. لذلك لابد من حل عملي ومخرج حقيقي من الأزمة.. قبل أن تقع الواقعة.