فى بلاد الفرنجة والدول المتقدمة، عندهم هناك حاجة اسمها «تيستر» يعني كل شيء متاح للاستعمال والتجربة مجانا، دون قيد أو شرط أو أي التزام نفسي أو أدبي بالشراء.
أنا أشوف كده، وثقافة الحرمان تشتغل، وعنها وهات يا «تيستر» فشر نجيب الريحاني في أفلامه القديمة!
يعني لو عندهم شيكولاتة.. أدوق، ولو عصير أجرب، ولو جبنه هولندى ما يخسرش، ولو فستق مقشر مفيش أي مانع، وأتسلى وأحكم بنفسي إن كان طازة أو محمص أو ناقص ملح.
وعلى طريقة «أبو بلاش كتر منه» وهي فلسفة وطنية أصلية، يعتز بها آلاف المصريين والعرب أمثالي، تتكرر نفس التجربة على نطاق واسع في قسم العطور ومساحيق التجميل وكريمات العناية بالبشرة ،استنادا على موضوع «التيستر» إياه، وعلى رأي المثل: (السم لو ببلاش يطرّى ع المعدة).
في «ماركوس» وهو أكبر مركز تجاري في هاواي، قبلة الموضة والرفاهية الأمريكية، وحيث يتردد (الليدز أند جنتل مان ) من أثرياء ونجوم ومشاهير الدنيا
أتيحت لي فرصة التجول ومتعة الفرجة والدهشة والاكتشاف، وتفقد المعروضات حوالي أربع – خمس ساعات فى قسم العطور، أخذت أضع عطرا فوق الآخر :
«شانيل- فايف» بتاع الست مارلين مونرو الله يرحمها ويحسن إليها، مع برفان «جنيفر- لوبيز» قدوتى في الرشاقة والجاذبية، مع رشة من «دولسي فيتا»، ونفحة من «ديور» وبخة من «لان كووم»، ونقطة من «نناناريشي» ولمسة من «آلان ديلون» وبهذا الكوكتيل النادر من العطور العالمية الغالية، أكملت سيري نحو باب الخروج، والبائعات يتابعنني بعيون محبة شاكرة وابتسامات معجبة مشجعة، لم تكن تنم أبدا عن حجم المفاجأة، وبشاعة الصدمة، التي وجدتها على ملامح المرشد السياحي المصري، الذي كان ينتظرني حينها في السيارة، ليكمل بي برنامج الزيارة المعد مسبقا ويذهب بي في المساء إلى رحلة بحرية، عبر مياه (الباسيفيك) على مركب سياحي فاخر، يحمل معنا وغيرنا عشرات السياح الأجانب من علية القوم وأثرياء أمريكا، وقد أكد المرشد المرافق لي، وهو يسد أنفه بيده في قرف شديد، أنه لن يتستطيع أن يصطحبني إلى أي مكان، قبل أن أزيل تلك الرائحة الفظيعة التي تفوح مني عن بعد!!
ثم أضاف يقول ما هذا ؟ .. إنني أشعر وكأني في جنينة أو في مصنع عطور.. ألا تعرفين أن البرفان ضد حقوق الإنسان (؟).
في البداية تصورت أنها نكتة للمزاح.. وجربت أن أتصنع الضحك، لولا أن المرشد إياه كان مصرا على الشرح، فأكمل باشمئزاز شديد:
البرفان النفاذ سمة الشعوب المتخلفة والعالم النامي وهى ضد حقوق الإنسان في أن يتنفس الرائحة التي يريدها هو وليس شخصا آخر..، لو أن أحدا شم رائحتك على المركب سيقفز في الماء ليبتعد عنك (!)
ثم أضاف : عندكم في مصر الذوق العام متماثل إلى حد بعيد.. لكن هنا في أمريكا الثقافات مختلفة والجنسيات متعددة والرائحة التي يحبها الصيني غير التى يحبها الهندي بخلاف الأوروبي والياباني والأمريكي.
قبل أن يكمل محاضرته في ثقافات الشعوب واختلاط الأجناس، ذهبت أهرول إلى حجرتي بالفندق، كي أبدل ملابسي وأغسل وجهي، ونزلت ومعي فوطة محشوة بمكعبات الثلج، وظللت طوال الطريق نحو المركب، أضع الكمادات فوق معصمي وحول عنقي لأزيل أي أثر لأية رائحة فوق جلدي، وكأني كنت أضع «إيصانس شادية» أو خلاصة روائح زيت الخروع وفسيخ شم النسيم!!
ناس لا بتفهم ولا بتقدر.. قطع البرفان على الأمريكان والمرشد السياحي وحقوق الإنسان في ساعة واحدة.. بلا مسخرة بلا قلة قيمة!!