الأخبار
فاطمة قنديل
فاطميات - الخطاب الأصولي للجزيرتين!
بعد «خطاب» الرئيس المتخذ مظهر «الحوار»، والمتعلق باتفاقية نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وسيادتهما، شاهدنا علي المواقع والفضائيات أطنانا من الوثائق والمناقشات المحتدمة حول حق مصر، أوعدم حقها التاريخي فيهما، وتطايرت الاتهامات بالخيانة من الموالين للسلطة صوب المعارضين والعكس! كنت قد اعتذرت عن عدم الكتابة الأسبوع الماضي، و»ادعيت» المرض، لكن الحقيقة هي إنني كنت أحاول «استيعاب» الصدمة، شأني شأن بعض المصريين، الذين يؤثرون التفكير قبل أن يعلنوا قرارهم النهائي بشأن مواقفهم، ولايأمنوا للانحياز الانفعالي لأي من الطرفين المتبادلين اتهام الخيانة، ولم يكن شعوري بالصدمة ناجما عما درسناه في كتاب تاريخ السنة السادسة الابتدائية، (فكم من التواريخ زوّرت في مناهجنا التعليمية)، ولامن خطاب الزعيم عبد الناصر، الذي يؤكد ملكية الجزيرتين لمصر، ولاللدماء التي سالت لشهدائنا علي أرضها (وإلا لضممنا نصف الأمة العربية- علي الأقل- إلينا منذ سنين) ولا للوثائق «المتنابزة»، المنشورة علي المواقع، التي سرعان ماغرقنا فيها، لنثبت بها مواقفنا المالكة للحقيقة المطلقة من القضية، سواء من قبل من يسمون «بالمطبلين»، أو من يسمون «بالمعارضين»، بل إن مواجهة الوثائق بالوثائق،بهذه الطريقة، هو ماكان يقلقني بالفعل، وهو ماسيظل يؤرقني سواء أقر مجلس الشعب الاتفاقية، أم رفضها (والاحتمال الأخير هو مااستبعده قياسا لممارسات المجلس حتي الآن، وأتمني أن يخيب ظني)، فكما تتفرق الدماء بين القبائل، كمايقول العرب القدماء، تتفرق الأوطان بين الوثائق، طالما المنهج واحد، فماأسهل أن أبرز لك وثيقة فتبرز مايناقضها، تماما كمايبرز الأصوليون الأحاديث والآيات خارج سياقاتها، ويناظرون بها مخالفيهم! المنهج نفسه الذي يجوب التاريخ ذاهبا آتيا، مقدسا أمهات الكتب، ومتصورا أن التاريخ خط يمكنك أن تمده بين نقطتين، هومايؤرقني، الخطاب الأصولي دينيا كان، أم سياسيا هومايؤرقني، وهوماسيضيع، وماأضاع الأوطان، حتي إذا احتفظنا بالجزيرتين للأسف.ولأن إثبات ملكية الوطن ليس بالوثائق وحدها، وإنما بالمشاعر أيضا، سأرجئ الحديث عنها قليلا، لأتحدث عن الخطابات المتصارعة في قراءة الوثائق، فكل خطاب يحاول ماأمكنه أن يجتذب مايشابهه، ومايؤيد تصوره، أو انحيازاته، أو مكاسبه، وفي ظل «التخوين» المتبادل، نصبح أمام تجسيد لخطابات «قوة» متصارعة، تعكس فوضي إيديولوجيات، بدءا من السلطة الحاكمة، التي قررت فرض القضية كأمر «شبه واقع» حتي الآن، وليس انتهاء بخطابات القوي السياسية التي تحاول فرض أمر واقع «مواز»، ومضاد للسلطة. النقطة الثانية: إن منهج قراءة الوثائق بوصفها منجزا تاريخيا، تم وانقضي إلي الأبد، يشبه تماما تعامل الأصوليات الدينية مع كتب التراث بوصفها مقدسة، وتخلط بينها وبين الكتاب المقدس، إن الوطن مقدس، لكن الوثائق ليست مقدسة، بدليل تعارضها وتناقضها، وإظهار وثيقة في مقابل وثيقة، لن يؤدي إلا إلي استنزاف العقل، سواء من قبل السلطة، أو من قبل معارضيها، الوثيقة «إرث» تاريخي، ولن تجدي قراءتها إلا كمانقرأ أي «إرث» تاريخي، أعني «بوعي علمي» تعلمناه كي نتجاوز المواقف الإيديولوجية، سواء اتخذت طابعا دينيا، أو تاريخيا، أو وطنيا، أعني بوضع الوثيقة في سياقاتها في الماضي، ووضعها في سياق الحاضر ومتغيراته، ومخاطره، وأعيد، حتي لايساء فهمي: الوثيقة لاالوطن. بغير هذا الوعي سنظل نراكم وثائق، علي الجانبين، لنصبح أمام خطابين لاينتهيان،ولايختلفان عن أي خطاب ديني أصولي، كجبل ينشق جبلين، أحدهما في مواجهة الآخر، لاعلي مستوي الجزيرتين، وإنما علي مستوي الوطن بكامله.أما المشاعر الوطنية الكامنة بين الإيديولوجيات والمؤدلجين وخطاب السلطة، فهي «حدوتة مصرية»كحكاية قديمة تنسب إلي سليمان الحكيم؛ تحكي عن امرأتين تنازعتا علي طفل، كل منهما ادعت أنها أمه، فماكان من سيدنا سليمان إلا أن أقترح شق الطفل إلي قسمين متماثلين، واقترح علي كل منهما أن تأخذ قسما، وافقت إحداهما بينما أصاب الهلع الأخري، وقررت أن تتنازل عنه كاملا للأخري، فأدرك سليمان الحكيم أنها الأم الحقيقية وحكم لها به كاملا».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف