عزت السعدنى
الاسم: زينب.. والشهرة: حلاوتهم!
قلت لصديقى ونحن نجلس على كنبة حركية فى بلكونة منزله العامر بكل خيرات الدنيا.. عفش وموبيليا على أعلى مستوى من الفخامة ونسائم العز ونفحات الغنى.. وليس الموضة.. والذوق والجمال: شوف يا عزيزى.. لازم ترضى حماتك وحماك يعنى أم مراتك وأبوها المعلم قرنى أكبر جزار فى المدبح.. وده شيء موش قليل.
يقاطعنى هو بقوله: ده راجل لا يتعامل إلا بلغة السكين والساطور والدم الذى يسيل من بين يديه كما الحنفية.. وهو يمسك الدبيحة فى المدبح ويوضبها على مزاجه.. عشان تعجب الزبون..
أقاطعه كما قاطعنى: يبقى نتعامل معاه زى ما هو بيتعامل مع البهايم اللى بيتعامل معاها ليل ونهار!
يسألني: إزاى يا سبع البرومبا؟
قلت له: قلت لى إزاى.. يعنى تاخده هو والست بتاعته على قد عقله وعلى قد علامه وعلى قد خبرته فى الحياة.. ومهنته التى يتقنها والتى ورثها أباً عن جد!
يعود يسألنى وقد كاد صبره يتسرب منه: كل ده كلام كويس.. لكن إزاى.. بس ماتنساش إن المعلم قرنى والست حرمه ومعاهم مراتى فكيهة.. لحد دلوقتى عاوزين يسموا بنتنا.. وانت عارف أبوها اللى هو أنا متخرج منين ومتعلم فين؟
قلت له سنة بسنة معايا فى نفس الكلية ونفس الجامعة ونفس الشهادة!
قال: عاوزين يسموها يا سيدى حاجة من الأسماء الثلاثة دول: حلاوتهم وبخاطرها وست الدار؟
أسأله: والست حرمك موافقة على لستة الأسماء دي؟
قال: أيوه.. هى تقدر تكسر لأمها وأبوها كلمة!
قلت له: ومراتك لسه برضه عايمة على عوم أمها وأبوها؟
قال: أمها أكتر.. لأنها لا تتأخر عنها أبدًا فى أى طلب مهما كان. يعنى مدلعينها آخر دلع.. وعاوزين يفرحوا بالقمورة الصغيرة.. بس على طريقتهم البلدي.. وده موش عيب!
قلت له مقاطعا: طيب ولما البنت تكبر وتلاقى نفسها إن اسمها فى شهادة الميلاد «بخاطرها» واللا «ست الدار» واللا «حلاوتهم»؟
قال: زى ما انت شايف البنت اللى هى الست حرمنا.. عايمة على عوم أمها وأبوها.. وماتقدرش تكسر لهم كلمة!
قلت له: يبقى الحل يا سيد الناس عند أبوها وأمها!
يسألني: يعنى إيه؟
قلت له: يعنى خلينى أقعد مع أبوها المعلم قرنى الأول.. وهو بعد كده يقدر يمشى كلمته زى ما بيمشيها على رجالة المدبح.. يقدر يمشيها على الست حماتك!
جرس الباب يدق بعنف دقات متسارعة.. تخرج الست فكيهة زوجة عمنا وصديقنا محمد أفندى لتفتح الباب ـ ليدخل من نريده.. المعلم الكبير وزوجته المصونة.. بزفة وهليلة وهما يحملان ما لذ وطاب وما يسيل له اللعاب ـ كما كنا نقرأ فى روايات ألف ليلة وليلة ـ والست حماته.. حماة محمد أفندى صديقنا العزيز تقول لنا: والله أكلة كلنا بنحبها.. قلنا نيجى ناكلها سوا مع بنتنا وجوزها وضيوفهم الكرام!
قالت زوجتى التى تملك أنفاً يشم أطايب الطعام التى لم تدخل مطبخنا منذ زمن بعيد: أنا شامة ريحة كوارع!
قالت حرم المعلم الكبير: أيوه فضلة خيرك.. أنا عملتها النهاردة الصبح وقلنا نيجى ناكلها مع بنتنا وجوزها وبنت بنتنا.. وضيوفهم الكرام!
فى لحظات ذهب الضجر والسأم والخناق والنقار والشد والجذب.. وبدأنا مهمة التشطيب على صوانى الطعام الشهى الذى لا تعرفه بيوتنا ولا مطابخنا ولا حريمنا.. وتلك حقيقة لا تخفى على أحد.
التفت إلى صديقى العزيز وقد تحوّلَ السأم إلى مرح والتكشيرة إلى ابتسامة..
وسط هذا كله قلت لصديقى: والنبى احنا لسه بنجيب سيرة القط.. أهو جه ينط.. زى ما بيقول المثل البلدي.
يسألنى بنظرة من عينيه: يعنى إيه؟
قلت له: احنا موش لسه بنفكر فى المعلم والمعلمة.. يعنى حماك وحماتك.. عشان نتفاهم معاهم فى اسم النبى حارسها بنتك القمورة؟
قال: والله عندك حق..
قلت له: نقعد الأول أنا وانت والمعلم الكبير.. ونبعد شوية عن حوارى الستات.. انت فاهمنى طبعا؟
قال: عندك حق.. تعالوا ناخد القهوة فى أودة المسافرين ـ وهى حجرة الجلوس عندنا الآن ـ تعالى يا معلم!
وجاء المعلم الكبير وجلسنا وحدنا بعيدا عن عالم الحريم الذى يمثله الآن الحاجة حماة محمد أفندى + زوجته المصونة + زوجتى العزيزة التى حشرناها حشرا فى مشكلة لم تكن فى الحسبان ولا على البال ولا على الخاطر!
قالت زوجتي: انتم عاوزين رأيى؟
قال المعلم الكبير: اتفضلى يا ست هانم!
قالت: البنت نكتبها فى شهادة الميلاد زينب ونناديها: حلاوتهم!
قال المعلم الكبير: نعم القول.. أهو ده الكلام الصح.. عشان صاحباتها لما تكبر وتروح المدرسة.. مايلعبوش بيها الكورة.. واللا إيه يا ست الحاجة؟
يسأل زوجته المصونة..
مضت لحظات كأنها ساعات.. قبل أن تنطق الحاجة حماة صاحبنا: خلاص اللى انتم عاوزينه على العين والراس ربنا مايجيبش زعل!
وانفض المولد.. وتزحزح النكد وذهب النقار والشجار إلى غير رجعة.
كلمات عاشت:
«الأم تعطى الدفء.. والأب يعطى النور». أنيس منصور