الأهرام
أشرف محمود
اللاعبون بالنار أخطر من التتار !
كنت أظن أن جمهور الرياضة في مصر وبالتحديد كرة القدم ، هم من ينصبون انفسهم خبراء في اللعبة الشعبية الاولى ، يعرفون خططها ويحفظون عن ظهر قلب قانونها ، فتجدهم اثناء وبعد كل مباراة لفريقهم او منتخب بلدهم يفسرون ويشرحون ويحللون ويفندون ويتهمون اذا لزم الامر هذا اللاعب او ذاك المدرب وربما الحكم في حال الخسارة ، وهكذا تتحول الجماهير الى خبراء ، ينتقدون كل عمل يدور فوق البساط الاخضر بدءا من تمرير الكرة او التصويب على المرمى او حتى التغييرات الفنية للمدرب او قرارات الحكم ، يدعون معرفتهم بكل مايدور امامهم في الملعب ، وبعضهم لم يركل كرة في حياته ، لكنه تحول الى خبير بفعل الانتماء لهذا النادي او ذاك دون ان يكلف نفسه ملاحقة التطور في اللعبة فنيا وقانونيا .

غير أن ماظننته مقصورا على الكرة ، تجاوزها الى السياسة ، خصوصا في السنوات الخمس الاخيرة مع انتشار مصطلح ناشط سياسي ، وماتفرع عنه من نشطاء حقوقيين واجتماعيين لتتحول الى مهنة لمن لامهنة له ، بعدما فتحت لهم القنوات شاشاتها والصحف صفحاتها ، ليصبحوا نجوما يحظون بالاهتمام حتى انك تجدهم ملاحقين من قبل الاعلام الذي يرصد ويسجل كل ما يكتبونه حتى في وسائل التواصل الاجتماعي .

وربما كان ذلك واقعا بفعل ، ماجرى في سنوات الفوضى السياسية والامنية التي اختلط فيها الحابل بالنابل ، وكانت الغلبة فيها للصوت العالي ، وهو ماادى الى تراجع مؤسسات الدولة ، ولم يعر هؤلاء النشطاء والخبراء وتجار الوطنية اي اهتمام لهذا التراجع الذي ازعج غالبية المصريين وعددا كبيرا من الاشقاء العرب والاصدقاء في العالم الذين ابدوا حرصا على مصر وامنها أكثر مما ابداه هؤلاء النشطاء .

وجرت في النهر مياه كثيرة ، شهدت تغيير الواقع السياسي ، ونجح المخلصون من ابناء الوطن الذين التفوا حول جيشهم في انقاذ الوطن ، واخراجه من النفق المظلم الذي سار فيه بفعل التناحر السياسي بين الائتلافات والجماعات التي كانت تتصارع من اجل مصالحها الخاصة ، فلعبت بالنار دون خوف من الاكتواء بها ، وتحولوا الى عدو يهدد مسيرة الوطن نحو استعادة مكانته على الخارطة العالمية فباتوا أخطر عليه من التتار الذين اجتاحوا البلدان العربية واحدة تلو الاخرى دون ان يهتز لهم جفن حتى قيض الله لمصر البطل قطز لتوقفهم عند حدهم وترجعهم الى حيث اتوا.

وجد هؤلاء في قضية جزيرتي تيران وصنافير بابا للفتنة الذي يمكن أن يدلف منه تجار الوطنية وخبراء الغفلة الباحثين عن الشهرة ومن خلاله تجدد الحلف بين قوى الشر فبدا الامر وكأنه لقاء الاعداء الذين اجتمعوا على ايذاء الوطن ، فهؤلاء النفر الذين ادمنوا اللعب بالنار والانسياق خلف دعاوى الفتنة ومحاربة الاستقرار لم يقدروا الظرف السياسي الذي تعيشه مصر هذه الايام من مؤامرات خارجية فزادوا عليها بالداخلية، وكأنهم يشاركون في حصار البلد ، تناسوا ان لدينا مشكلات مع الاتحاد الاوروبي وايطاليا ، أسقطوا من اهتمامهم حرب الارهاب وتأمين الحدود وازمة سد النهضة والاحتياطي المائي ، ونصبوا انفسهم خبراء في علم تعيين الحدود البحرية والقانون الدولي والجغرافيا والتاريخ ، هكذا فجأة تحولنا الى شعب من الخبراء والمنظرين ، وسارع هؤلاء الى توجيه اتهامات بالخيانة والتفريط في الارض ، وزاد احدهم بعد الدعوات للتظاهر واسقاط النظام بالذهاب الى تيران وصنافير للاقامة فيهما ، وزادوا بطرح رؤى وتحليلات حول الازمة التي صنعها خيالهم ، عبر الفيسبوك ، دون ان يدركوا ان مناقشة الامور السيادية للدول لاتخرج من الغرف المغلقة والسرية ، ولايجوز مناقشتها في العلن وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات ، وانه ليس كل مايعرف يقال ، فمصالح الدولة العليا تحددها قنوات محددة واجهزة مسئولة لديها من الكفاءات والخبراء المتخصصين الفنيين مايمكنها من اخضاع اي امر للفحص والدرس والتدقيق حتى تصل الى الحقيقة التي لالبس فيها والرأي الذي لايقبل القسمة على اثنين ، فشئون الدولة ليست مباريات كروية تقبل الاختلاف في تفسير القرارات التحكيمية.

أن الامر جد خطير ، ويبدو ان احدا من هؤلاء المدعين للوطنية لم يتوقف يوما امام دروس الماضي ، كما ان المنظرين الذين يعتمدون على آراء لافراد او تحليلات تنظيرية لاعلاقة لها بالواقع ولامعرفة لها بأسرار الدول وكواليس الاتفاقات التاريخية ، اصبحوا كالدبة التي قتلت صاحبها.

قد يكون مقبولا الاعتراض على كيفية اخراج الامر ، لكن الثقة في وطنية قياداتنا ومؤسساتنا وانهم لايمكن ان يفرطوا في ذرة من رمال الوطن تجعلنا نتقبل منطقهم في طريقة الاخراج لامر تعيين الحدود البحرية مع السعودية ، بدلا من المزايدة الرخيصة ,ومحاولة تأليب مشاعر البسطاء على الدولة ، وتحريض بلغ حد التهديد لنواب الشعب حال التصديق على الاتفاق وكلها اعمال لاتعكس وطنية هؤلاء المعترضين ، وانما تؤكد انهم استغلوا الحدث من اجل احداث الوقيعة بين الرئيس والشعب ، في محاولة جديدة من محاولاتهم المستميتة لزعزعة الثقة واثارة القلاقل ، التي تصل بهم الى مبتغاهم الذي يحلمون به ، ومن دون شك فإن المصريين يدركون هذه الامور جيدا ، ويسعون بتجاهلهم لهؤلاء الى تحويل احلامهم الى كوابيس تقض مضاجعهم باذن الله .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف