الأهرام
عبد الفتاح البطة
أخلاق زمان
نظرة بسيطة - لكن بتجرد وحيادية - علي تراث المسلمين من المؤلفات العلمية المعتبرة يدرك المرء مدي عظمة هذا الدين ومثاليته ، وكيف لا وهو من عند علام الغيوب سبحانه وتعالي ؟ كما يدرك أيضا مدي الحقد وسخام قلب كل من أطلق لسانه أوقلمه أوأمواله أوجيوشه أوأعوانه لمحاربة هذا الدين وأهله .
في كتاب ( الخراج ) للقاضي أبي يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة يرحمهما الله يؤكد أبو يوسف لأمير المؤمنين هارون الرشيد - وقت أن كان المسلمون يحكمون الدنيا ولا تستطيع أي قوة علي وجه الأرض أن تُناكفهم فضلا عن أن تُحاربهم- أن الأخلاق هي الأساس في النظام المالي الاسلامي ، وأنه بدونها يُنتفي وصف الاسلام عن أي معاملات مالية . هذا مع تقرير الاقتصاد العلماني والرأسمالي والاقتصاديات الحديثة منذ القرن التاسع عشر علي فصل الأخلاق عن الاقتصاد والتشديد علي أن المعايير الشخصية لا وجود لها .

ويؤكد الكتاب علي ثلاث قيم في خصائص الأموال التي تصل إلي بيت المال (خزانة الدولة) أولها :أن يكون طيب المورد لا شبهة حرام فيه من غصب أو ربا أو ظلم . ولذا لما وصل مال العراق - بعد فتحه ودخول الإسلام فيه وانتهاء عبادة المجوس للنار في أرض الرافدين- إلي الفاروق عمر بن الخطاب خرج إليه عشرة أشخاص من الكوفة ،ومثلهم من البصرة ، وشهدوا أربع شهادات بالله أن المال طيب ، وما فيه ظلم لمسلم أو مُعاهد .

ثانيا : العدل في الانفاق : فلا بد من العدل في انفاق ايرادات الدولة بحيث يكون اعطاء المال لمستحقيه نابع من أحقيتهم له ، بمعني أن الأمر في النظام المالي الاسلامي ليس أمر عدل فقط يُجريه من يتولي الأمر ، بل إنه أيضا أمر حق يجب أن يتمسك به صاحب الحق .ثالثا : المساواة عند الانفاق :- يذكر أبو يوسف أن أبا بكر رضي الله عنه كان يُقسم بالسوية في توزيع الخراج والغنائم ، ثم جاء عمر رضي الله عنه فرأي الأخذ بالتفاوت في العطاء ، وقال : لا أُعطي من قاتل رسول الله صلي الله عليه وسلم كالذي قاتل مع رسول الله . وقرر أبو يوسف شروطا فيمن يتولي مسئولية النظام المالي : أولها : عدم استعمال الأقارب في تحصيل الايرادات ، فالرسول صلي الله عليه وسلم لم يستعمل أقاربه في تحصيل الايرادات رغم كونهم أهل فقه وكفاية . ثانيا : لابد من توافر شروط فيمن يتولي المسئولية : ١- أن يكون عفيفا ولا يطلع الناس منه علي عورة ٢- لا يخاف في الله لومة لائم ٣- لا يخاف من جور في حكم إذا حكم ٤- أن يكون فقيها عالما مُشاورا لأهل الرأي ٥- لا يكون متعسفا علي من هم تحته ولا محتقرا لهم ولا مُستخفا بهم ٦ - المُساواة بين الناس في مجلسه .

ثالثا : أن يخضع المسئول المالي للرقابة : نصح أبو يوسف أمير المؤمنين هارون الرشيد أن يبعث قوما أهل صلاح وعفاف موثوق بدينهم وأمانتهم ليسألون عن سيرة العمال ، وكيفية جبايتهم للأموال ، وأن يجلس هارون مع الرعية كل شهر أو شهرين مجلسا يسمع فيه من المظلوم ويُنكر علي الظالم ، فيخاف الظالم فلا يظلم ، ويأمن الضعيف المظلوم ويقوي قلبه .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف