الوطن
محمد نصر الدين
تفسير ضرورى.. وشكر واجب
مقالتى الأسبوع الفائت فى جريدة «الوطن» بعنوان «الدائرة الإثيوبية ومفاوضات سد النهضة» كانت هى آخر مقالاتى عن سد النهضة ولن أكتب فى هذه القضية مرة ثانية.

وكنت قد بررت ذلك على صفحتى فى «فيس بوك» بأنّه قد جف القلم ونفد المداد، فتلقيت على أثر ذلك عشرات الرسائل من الأصدقاء انتقاداً لقرارى كأننى أتخلى عن القضية القومية. ومن أكثر الرسائل التى تأثرت بها رسالة من الصديق الدكتور بيومى عطية رئيس قطاع التخطيط السابق فى وزارة الرى وأحد علماء مصر القليلين فى مجال إدارة وتخطيط الموارد المائية، والذى قال «لا يا أخى وصديقى وأستاذى، لا والله لا تقل هذا أبداً، لن يجف قلمك، نحن فى أشد الاحتياج لهذا القلم الوطنى الشجاع، نحن فى أشد الاحتياج إلى العلماء المخلصين أمثالك، سنظل نقرأ لك ونتعلم منك، وندعو الله تعالى لك من صميم قلوبنا بالنصر، إنه سميع مجيب».

وجاءنى من أستاذى الدكتور محمد عبدالسلام عاشور نائب رئيس جامعة أسيوط السابق رسالة يقول فيها «لا أسكت الله لك صوتاً، ولا جف لقلمك حبر، فلم نسمع لك صوتاً إلا فى الحق، ولم نقرأ لك إلا خيراً للنفع العام، فنرجو الله أن لا ينقطع عطاؤك».

وللتوضيح فإنّ قرارى بعدم التحدث مجدداً عن سد النهضة، يعود لثلاثة أسباب رئيسية.

أول الأسباب أن أريح وأستريح، وذلك بالرغم من أنّ الهدف من كتاباتى المساندة وليس المعاندة أو المكايدة، وللتوضيح وليس للتجريح، وللنصح والإرشاد وليس للهجوم أو الاستعداء.

وثانى الأسباب هو إيمانى الشخصى بأننى قمت بواجبى تماماً نحو الوطن فى هذا القضية الشائكة سواء كأستاذ جامعى مهموم بوطنه أو كوزير سابق وخبير ببواطن ملف النيل. فبعد قيام ثورة يناير المصرية وتدهور الأوضاع الداخلية، ظهرت محاولات تزوير التاريخ وخلق أبطال من ورق فأصدرت كتابى بعنوان «اتفاقية عنتيبى والسدود الإثيوبية» لأسجل حقائق مفاوضات عنتيبى وأحداثها التفصيلية فى دراسة وثائقية ونشره مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية فى يناير 2012. وبعد ذلك بعامين أصدرت كتابى «أزمة سد النهضة الإثيوبى: قضية سياسية أم إشكالية فنية» فى معرض الكتاب عام 2014 ونشره مركز المحروسة، لأوضح مخاطر السد والطبيعة السياسية للأزمة. وكان من أهم التعليقات على الكتاب ما جاءنى فى خطاب من السيد وزير الدفاع والإنتاج الحربى الفريق أول صدقى صبحى فى يناير 2014 قائلاً «ببالغ الاهتمام والاعتزاز تلقينا كتابكم القيم وقد شعرنا بعد إتمام قراءته بحسكم الوطنى الأصيل ومشاعركم الصادقة تجاه الوطن».

ومع توالى أحداث سد النهضة وتعثر المفاوضات أصدرت كتابى «سد النهضة.. إدارة الأزمة وحدود الخطر»، وظهر فى معرض الكتاب لعام 2016 ونشرته مؤسسة أخبار اليوم. وبالتوازى كنت أكتب مقالات بالإضافة إلى الحوارات المكتوبة والمسموعة والمرئية، وشاركت فى مؤتمرات دولية وإقليمية ومحلية دفاعاً عن حقوق مصر المائية.

وشاركت فى تكوين مجموعة وطنية تسمى «مجموعة حوض النيل» لتقديم الدعم والمشورة للدولة فى قضايا النيل المعقدة، وبالفعل قمنا بعمل حلول وبدائل وسيناريوهات ودراسات، وقدمنا المشورة لمؤسسات الرئاسة وتلقينا الشكر من السيد الرئيس على هذا الجهد، واجتمعنا مع العديد من المسئولين فى مؤسسة الرئاسة ولم نبخل بجهد أو وقت لأى طلب من الدولة.

أمّا ثالث أسباب قرارى بالتوقف عن الكتابة عن سد النهضة فهو تعيين الوزير الجديد للرى والذى أتوسم فيه الخير، فقد قام بعدة خطوات تصحيحية وبدون ضجة من تغيير المتحدث الرسمى للوزارة وتعيين أحد شباب الوزارة المميزين، وتعيين وكيل وزارة محترم ومتخصص متميز فى شبكات الرى والصرف لمجابهة مظاهر الأزمة المائية فى مصر، والاجتماع مرات عديدة مع اللجنة المصرية للتفاوض لإعداد رؤية حقيقية لأزمة سد النهضة للعرض بأمانة على القيادة السياسية.

والحقيقة أننى بدأت أشعر بأننا نقترب من المسار الصحيح بعد إهدار الكثير من الوقت مع الوزير السابق، ولكن الأمل معقود فى الله وفى جهد الشرفاء.

وهناك متابعة واهتمام ملحوظان سواء لكتبى أو لمقالاتى على المستويين الدولى والإقليمى، ومعظم ردود الفعل إيجابية فى الشكل والمضمون، ولكن المشكلة تكمن فى الداخل لضيق بعض المسئولين من المقالات ومنهم وزير الرى السابق والذى قدم ضدى سيلاً هادراً من البلاغات. وآخر هذه البلاغات كان لنيابة الأموال العامة والذى تم تحويله للجنايات كما علمت من وسائل الإعلام.

والحقيقة أنّ الضجة الإعلامية اليومية والرائعة حول هذه القضية أسعدتنى كثيراً، فقد جاءت بنتائج عكسية تماماً وأظهرت لى الكثير من مشاعر المحبة المتدفقة من أساتذتى الأجلاء والزملاء. ومن أكثر ما أسعدنى اتصال تليفونى جاءنى من أستاذى الجليل الدكتور عبدالوهاب العامر من هندسة القاهرة والذى قال فيه «أنا وأساتذتك جميعاً يفتخرون بك كأستاذ ووزير وسياسى وقبل كل ذلك إنسان». ومن أفضل وأعمق التعليقات على القضية تعليق الأستاذ الكبير الدكتور أحمد جابر من هندسة القاهرة حيث قال «قضيتنا هى قضية الحوكمة بمصر، فالوزير المسئول عن المياه وبما يملك من معلومات ودراسات وسياسات واستراتيجيات وأجهزة وخبراء، هو الذى يوظف كل هذا كى يقرر ما إذا كان هناك فائض أو عجز فى الموارد المائية، سواء كان هذا الفائض أو ذلك العجز على المستوى القومى أو على المستوى المكانى.

والتشكك فى رؤيته وقراره هو تشكيك فى منظومة الحوكمة بكاملها، والذى يعنى أنّ هناك من يطلب بناء منظومة علوية للتحقق من قرارات الوزراء ومراجعتها، وربما يطلب آخرون أن نبنى منظومة أعلى للتحقق من التحقق».

ومن التعليقات التى أثرت فىّ كثيراً أيضاً تعليق الأستاذ الجليل الدكتور عبدالله بازرعة من هندسة القاهرة: «قلوبنا معك فى هذه المحنة التى لا أشك أن إثارتها الآن ترتبط بمواقفك المشرفة من قضايا الوطن المائية.

لقد نطقت بقول الحق عندما تأخر الكثيرون، وأثق أن الله سيعلى كلمة الحق وستخرج من هذه المحنة كريماً منصوراً»، وأيضاً تعليق الدكتور أحمد إمام الأستاذ فى هندسة القاهرة -الذى عمل مساعداً لوزير الرى- الذى قال فيه «خلال عام ونصف العام قضيتها مع سيادتكم فى الوزارة شهدت فيها قمة التفانى والتضحية والعمل الدؤوب لأجل حل مشاكل مصر وقضاياها المائية، وأشهد الله أنّنى لم أرَ من سيادتكم سوى كل إخلاص لهذا الوطن وقضاياه المائية».

وهناك تعليق رفيع من الأستاذ الدكتور حسام فهمى نائب رئيس المركز القومى لبحوث المياه والذى قال فيه «عندما قرأت الخبر تيقنت أننا نحيا فى زمن الصغار الذى يختلط فيه الحابل بالنابل، حيث يتّهم الشرفاء الوطنيون ويترك السرّاق والفاسدون، وتعلمون مدى اطمئنانى لسلامة موقفكم وثقتى المتناهية فى نزاهتكم وتقديرى لعلمكم وخبرتكم».

هذه أمثلة بسيطة لعشرات من رسائل الزملاء التى ملأت صدرى بالبهجة والتى سوف أستعين بها يوم العرض على الواحد القهّار، والذين أقول لهم الآن إننى فى خير واطمئنان وأمان شديد، لأنّنى فوضت أمرى لقاضى القضاة القادر العزيز الجبار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف