عزت ابراهيم
مـا لم تنجـــــزه 30 يونيـــــــــو..!
قبل نحو 12 عاماً كنت أتجول بصحبة جيم ماكديرمت نائب الكونجرس فى مركز المؤتمرات الرئيسى بمدينة سياتل حيث وقعت مظاهرات شهيرة عام 1999 ضد اجتماعات منظمة التجارة العالمية توافد على أثرها 40 ألفا من المحتجين من كل أنحاء العالم على المدينة وكتبوا تاريخا جديدا للاحتجاج ضد الفوارق الرهيبة فى الاقتصاد العالمي. يومها، رفع نائب الكونجرس التقدمى المعروف بمعارضته للحرب على العراق يديه فى الهواء ملتفتا الى الساحة الرئيسية لمركز المؤتمرات فى المدينة الأجمل فى أقصى شمال غرب الولايات المتحدة ثم قال لى فى نبرة مضطربة: «لقد كانت تجربة صعبة ومريرة.. ما كان يجب أن تتطور الأمور الى مهاجمة المنشآت العامة». هناك، فى العالم الأول يرون فى حماية منشآتهم ومنجزاتهم هدفا سامياً، وأن الاحتجاج لم يعد مثلما كان فى ثورات القرون الماضية لابد أن يأتى محملا بالعنف والتدمير، فوسائل الاحتجاج تطورت ولم يعد تخريب المنشآت العامة مسألة تحقق أهداف المحتجين مثلما يتخيل البعض بل الاحتجاج العنيف يدفع الغالبية الى رفض التطرف فى التعبير عن رفض سياسات بعينها. من هنا، كان العنف الذى دفع ثورة 25 يناير الى الانحراف عن أهدافها العظيمة بمثابة شرخ فى المجتمع ما بين فريق يرى العنف طريقاً للثورة وبين فريق يرى فى تنظيم الاحتجاج وصولا الى الأهداف الكبرى وسيلة أمثل للتعامل مع الوضع. وكان العنف فى العامين الأولين لثورة يناير محسوبا من أطراف محددة من أجل تشتيت الجهود ثم الانقضاض على الثورة والانفراد بالسلطة فيما بعد وهو ما تحقق لجماعة الاخوان التى وسعت من دائرة العنف فى الشارع بدهاء شديد ثم جلست فى الغرف المغلقة تجنى ثمار تشرذم وتفتت القوى المدنية.
ولم تفلح الثورة الكبرى فى 30 يونيو فى تغيير ما استقر لدى البعض من قناعة بضرورة التغيير عن طريق العنف وهدم المؤسسات، فمن فرط ما أدمن البعض فى مصر مصطلحات الاقتلاع والتبوير ونسف البيت بمن فيه فى السنوات الثلاث الأولى لثورة يناير، تخيل هذا البعض أن الهدم هو الطريق الوحيد لتحقيق ما يرونه صوابا دون غيره من الحلول لمشكلات المجتمع. من الظواهر التى طفت على السطح مجددا فى الأيام القليلة الماضية هناك حالات صارخة للاستسهال فى القاء التهم على من يعترض طريق الفريق الرافض لكل شيء، بداية من اتهامات نهب المال العام الى التخوين باسم الوطنية يتساوى فيها مجموعات من الشباب الباحث عن طاقة نور مع منتفعين من السلطة عبر عقود، حصدوا مع أسرهم على وظائف عامة أو أراض أو عقارات أو مميزات عينية دون وجه حق وعلى حساب أقرانهم من أبناء الشعب عن طريق الوساطة والمحسوبية، ولم يكلف هؤلاء انفسهم مشقة التفكير فى اعادة ما حصلوا عليه دون وجه حق فى مواقع مؤثرة ولم يجتهدوا حتى للاعتذار عن تلك العطايا دون استحقاق. وينسى هؤلاء أن العدالة الانتقالية التى يطالبون بها تقول إن عليهم أن يعترفوا بما كسبوا زورا وبهتانا ثم يخرج عدد منهم على مواقع التواصل الاجتماعى لغسل صفحته الملوثة بالدعوة الى اسقاط الدولة! بالمثل، هناك فريق فى المجتمع المدنى يأبى أن يراجع نفسه فى مسائل التمويل ويضغط على مفاصل الدولة من أجل عودة التمويلات المفتوحة دون رقابة حقيقية وفى المقابل تزيد الدولة من وطأة المشكلة عندما لا تسرع فى التشريعات اللازمة لاعادة تنظيم عالم المنظمات غير الحكومية. منظمات وأفراد لديهم ظهير دولى لن يكف عن فتح قضية حرية المجتمع المدني، والحكومة تمارس أساليب قديمة لا تستقيم مع حركة المجتمع المدنى العالمى ولكنها تستطيع أن تلتقى فى المنتصف مع من يعمل بشفافية ولا تتعارض أهدافه مع الصالح العام.
نعم، لم تنجز ثورة 30 يونيو أهدافا رئيسية منها اعادة تنظيم حركة المجتمع المدنى واطلاق المنظمات الوطنية تعمل بحرية كاملة دون تمويل أجنبى وهو المدخل الطبيعى لمنح المجتمع دماء طازجة فى شرايينه، وهى التى ستعطى مناعة ضد الاحتجاج العنيف وتفتح الطريق لمشاركة اوسع فى العمل السياسي، الا أن الفرصة مازالت موجودة ومثلما قلت الأسبوع الماضى يمكن ان يكون منح الشباب استثناء واسعا فى انتخابات المحليات القادمة بداية دمج تلك الطاقة الجبارة فى تروس ماكينة المجتمع!