اليوم عطلة بمناسبة مرور 34 سنة على عودة سيناء. وربما كان ذلك مطلوباً فى الأيام الأولى لعودتها. لكن بعد كل هذه السنوات التى تزيد على ربع قرن، وتوشك أن تقترب من نصف قرن، أتصور أن الاستمرار فى الإجازة يبدو عملاً بلا طائل. فلنجعله يوماً لسؤال سيناء. الذى يلح علينا ويطاردنا ذ أو على الأقل يطاردنى أنا شخصياً كلما وجدتنى فى مواجهة يوم الإجازة.
فى الطريق ليومنا استحضرت بعض ما فى مكتبتى عن سيناء. يقف فى المقدمة منه كتاب جمال حمدان: سيناء. الصادر عن دار الهلال. وهو ليس كتاباً مستقلاً. لكنه كان فصلاً كبيراً من موسوعة عمره: شخصية مصر دراسة فى عبقرية المكان. تم استخراجه من السِفر الكبير، وجرى تحويله لكتاب. ونشرته دار الهلال باعتبارها المؤسسة الوحيدة التى تملك حق نشر مؤلفات جمال حمدان. الدكتور أحمد أبو زيد، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة الإسكندرية، كتب مقدمة طويلة للكتاب. وفى مقدمته يرى اتساع نظرة جمال حمدان إلى الأمور مع عدم خروجه عن موضوع تخصصه الدقيق. فالرجل يكتب فى الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية تحت عنوان: فى الشخصية الإقليمية.
جمال حمدان، سبق أن قال فى مطلع كتاب عمره: شخصية مصر. إن تكن الجغرافيا فى الاتجاه السائد بين المدارس المعاصرة هى التباين الأرضي. أى التعرف على الاختلافات الرئيسية بين أجزاء الأرض على مختلف المستويات، فمن الطبيعى أن تكون قمة الجغرافيا هى التعرف على شخصيات الأقاليم. وإذا كان الإقليم بهذا التعريف هو قلب الجغرافيا، فمن المنطقى أن تكون الشخصية الإقليمية هى قلب الإقليم. ومن ثم بيقين أعلى مراحل الفكر الجغرافي.
كان جمال حمدان فناناً، انظر ما يقوله عن سيناء: بهذا الشكل تبدو سيناء بكتلتها المندمجة المكتنزة كثقل معلق أو كسلة مدلاة على كتف مصر الشرقى فى أقصى الشمال، لا تلتحم بها إلا بواسطة برزخ السويس.
مجلة الثقافة الجديدة التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويرأس تحريرها سمير درويش. أصدرت فى أبريل الحالى عدداً خاصاً عن سيناء. ورغم حجم المجلة الكبير وعدد صفحاتها، فهى تباع بجنيهين فقط.
كتب الدكتور جمال العسكرى فى مقدمة العدد:
- كانت سيناء وستظل من أهم الدلائل على عبقرية المكان الذى تشغله مصر من خارطة العالم. فهى جسر واصل بين قارتى آسيا وأفريقيا مما جعلها ذات أهمية استراتيجية على طول التاريخ المصرى والعالمي. وبالفعل شهدت هذه البقعة الجغرافية من أحداث التاريخ ما يجعلها علامة دالة على مكان صعب. فمن حيث كونها المدخل الشرقى لمصر وإفريقيا. كانت مسرحاً للقاءات الحربية الحاسمة فى تاريخ الدولة المصرية. كما كانت مدخلاً للهجرات الدائمة من آسيا إلى إفريقيا ومصر على نحو خاص. إن سيناء تمثل جسداً ضخماً ينتظر الروح الفياضة بالروح والحياة. فإن هذه المساحة التى تقترب من 25 ألف ميل مربع ما زال عدد سكانها ضئيلا جداً بالنسبة إليها.
فى الملف كتب حمد خالد شعيب: الدستور عند بادية سيناء مواد رادعة وبروتوكولات غير مكتوبة. ثم كتب الدكتور محمد أحمد غنيم: القانون العرفى فى سيناء. وكتب حسونة فتحي: شمال سيناء ثقافة ناعمة وأسئلة شائكة. وكتب عبد الله السليمة، القاص الذى يعيش فى سيناء: حتى لا تكون سيناء قابلة للضياع مرة أخري. حيث يؤكد إذا ما كانت الدولة تريد استكشاف حقيقة البداوة وفهم ثقافتها فهماً حقيقياً. عليها أن تتجاوز هواجسها تجاه البدو. وألا تتحيز لثقافتها على حساب ثقافة البادية. وكتب سالم أبو شبانة: لعنة الجغرافيا وبنية هشة تتوجس الآتي. وعرض محمد صلاح غازى لكتاب نهلة إمام، ابنة معلمنا وصديقنا الكبير الراحل: عبد الله إمام، : النهار الزين، عادات الزواج فى سيناء.
خالد عكاشة، الخبير الأمني، ونجل صديقنا ضابط القوات المسلحة الراحل: محمد زكى عكاشة، كتابه عنوانه: سيناء أرض المقدس والمحرم, نشرته دار نهضة مصر. ورغم اهتمامه بقضية التطرف والإرهاب وما فعلته لمصر، وما يمكن أن تفعله. فهو يبدأ كتابه بداية مدهشة. ففى الفصل الأول من الكتاب: سيناء بوابة أرض الإله يبحث حول أصل كلمة سيناء:
- هناك خلاف بين المؤرخين بين أصل كلمة سيناء. ذكروا معناها الحجر. أطلقت على سيناء لكثرة جبالها. بينما ذكر البعض الآخر أن اسمها فى الهيروغلوفية القديمة توشريت. أى أرض الجدب والعراء. وعرفت فى التوراة باسم: حوريب، أى الخراب. لكن المتفق عليه أن اسم سيناء الذى أطلق على الاسم الجنوبى منها مشتق من اسم الإله سين، إله القمر فى بابل القديمة. انتشرت عباداته فى شرق آسيا ومن بينها فلسطين.
وفى المصادر المصرية يشار لسيناء باسم خاست مفكات، أى مدرجات الفيروز. ثم يتوقف أمام تجليات ظهور سيناء فى القرآن الكريم. لكن كل هذا لا يشغله عن موضوعه الأساسي: الإرهاب، الذى يجرى فى سيناء. فيفرد فصولاً من كتابه للتنظيمات الإرهابية المسلحة. والرمل المقدس يخلط بالدم المحرم. ثم سيناء عنوان المؤامرة.
أعجبنى كتابه وإن كنت لم أتفق معه عند كتابته عن بدو سيناء والولاءات المزدوجة. وأنا لا أحب أن أصف من يعيش فى سيناء بالسيناوي. ولا أقول بدو سيناء أبداً. ولكن بدو مصر الذين يعيشون فى سيناء. وحدة البلاد تبدأ فى اللغة وانقسامها لا قدر الله ولا كان. قد يبدأ من الأبجدية.