الوطن
د. محمود خليل
السبيل (27)
مشهد «المولد» كان آسراً للجميع، رأت فيه أمل جديداً يستحق الفرجة. ورأى فيه مختار عذاباً للمقيم ومتعة للزائر. واعتبره طارق وإخوانه شركاً بالله. ونظر إلى الفلاحين المنخرطين فى حلقات الذكر بقدر ملحوظ من التعاطف، وأطربه مثلماً أطرب أمل تلك النغمات العذبة والكلمات الملغزة التى ينشدها الذاكرون. «المولد» كان المسرح، لكن كل واحد من المشاهدين كان يعيش «المولد» الخاص به.

- أمل: إنهم يغنون أغانى جميلة!.. يتحدثون عن الحب.

- مختار (بسخرية): قصدك ينشدون!.. إنهم لا يتحدثون عن الحب العاطفى، بل عن حب أهل بيت الرسول.

- أمل: كله حب يا مختار!.. كل الناس هنا تتحدث عن الحب.. تغنى للحب.. الحب العاطفى.. الحب الإلهى.. حب الرسول.. حب أهل بيت الرسول.. حب الوطن!.. مَن يراكم من بعيد يحس أن حياتنا حب فى حب.. ولكن فى الواقع!.

- مختار: ماذا يوجد فى الواقع؟!.

- أمل: الحب يا مختار حلم إذا هبط إلى الواقع يتلاشى.. يتبخر كما تتبخر قطرات الماء لتعود ثانية إلى أعلى!.

- مختار: ألست مؤمنة بالحب؟!.

- أمل (بحسم) أى حب يا مختار؟!.. صدقنى لا يوجد فى الواقع شىء اسمه حب. يوجد عقد لدى الناس!.. وكل إنسان يبحث عن حل عقدته لدى إنسان آخر!.. إذا وجده ظن أنه يحبه!.

- مختار: لكنى أحبك؟!.

- أمل: لأننى حللت لك عقدتك!.

- مختار: عقدتى؟!.

- أمل: نعم!.. عقدة الجمال!.. الجمال بمعناه العام. جمال الصورة، وجمال الخلفية. إن عينيك لا تبصران إلا القبح فى الواقع المحيط بك. لا تعطيهما أية فرصة لتبصر أى جانب جمالى فى الأشياء من حولك، لذا عندما أبصرتنى انجذبت وأحببت!.

- مختار: وأنت!.. هل استطعت أن أحل عقدتك؟!.

- أمل: دعنا من هذا الكلام!.. نتفرج أفضل!.

- مختار: لا يا أمل! أريد أن أعرف.. (بعصبية): من حقى أن أعرف!.

- أمل: حقك؟!. ما هذه العصبية يا مختار؟!.

- مختار: أريد أن أعرف؟!.

- أمل: إنك يا مختار لم تعرف عقدتى حتى تحلها!. تلك هى الحقيقة. وعموماً فقد وجدت فيك صديقاً ممتازاً!.

- مختار (بانكسار): صديق؟!.

- أمل: نعم صديق!.. وهل هذا قليل؟!.

إذا سرت فى السبيل أيام الموالد لا تستطيع أن ترى إلا الخيام يتكوم بداخلها الفلاحون والقفف، حتى المساجد تراهم يتمددون فيها. جاءوا حباً فى أهل البيت!.. ونزهة.. وتسوق.. ولمآرب أخرى. وكل خيمة تتبع شيخاً. وكل شيخ وله طريقة.. ومعظم أهل المولد من المتدينين البسطاء. كان طارق وإخوانه يغتاظون بشدة منهم!. كانوا يمتنعون أصلاً عن أداء الصلاة فى مساجد الأولياء لأنها محرمة. يعتقدون أن هؤلاء البسطاء مشركون يتخذون إلى الله الوسيلة. ولا شفاعة فى الإسلام.

- مصطفى: أيها المخبولون!.. هذا شرك أصغر!.

- أحد الفلاحين: شرك أصغر؟!.. ما معنى ذلك يا أستاذ؟.. إننا نأتى لزيارة أهل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام!. فكأنما زرناه.. الحج يتكلف آلاف الجنيهات. من منا يطيق ذلك؟!. قصد أهل بيت النبى أصبح أرخص من قصد النبى. وقد قال: «من زار أهل بيتى فكأنما زارنى». كأننا حججنا يا أستاذ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف