الوطن
محمد صلاح البدرى
جنون الارتياب!
أعترف بأننى أعانى باستمرار من تلك العقدة.. والتى أظن أنها لن تفارقنى حتى أفارق تلك الدنيا غير باك على شىء.. ولا أظن أننى سأتمكن من التخلص منها أبداً..!

«لماذا لا ينجح شىء يخصنى أبداً؟».. إنها نفس المعضلة القديمة التى طالما أثارت فى نفسك أسئلة لا إجابة لها سوى أنك منحوس! والتى تثير شهية كل أطباء الأمراض النفسية فى العالم كله باعتبارك نموذجاً مثالياً لمريض البارانويا!

لماذا لا يتحرك صف السيارات الذى تقف فيه أنت تحديداً؟.. بينما تسير الصفوف الأخرى فى سلاسة؟! الطريف أنك قد تحاول أن تخرج من هذا الصف بعد الكثير من المحاولات والسباب من السيارات المقبلة من الخلف.. فتكتشف أن صفك الأصلى قد سار أسرع بينما وقف تماماً ذلك الصف الجديد الذى انضممت إليه!!

لماذا لا تجد مالاً فى ماكينة الصراف الآلى التى قررت أن تقف أمامها لتسحب مرتبك؟! أكاد أقسم أنك ستجد المشكلة تتكرر إذا ما حاولت فى ماكينة أخرى قريبة!.. الحكومة ترفض أن تعطيك مالك بالطبع!!

لماذا لا يغلق المزلقان إلا حين تصل أنت تحديداً؟! أنت تراه فارغاً وسلساً كل يوم فقط حين لا تحتاج لعبوره!! ستجد من يجيبك بأنك تعبره كل يوم فى موعد قطار الخامسة يا صديقى!.. لا طبعاً.. أنت تؤمن بأن الأمر يتعلق بعناد خاص من هيئة السكك الحديدية معك تحديداً!

أسئلة وجودية كلها تعبّر عن العقدة أفضل بكثير من شرحها الذى يملأ الكتب ذات الغلاف الفاخر.. إنه الشعور بالاضطهاد المستمر.. أو سوء الطالع الذى يبدو أنه يلازمنى أنا فقط.. حتى إننى أتساءل كثيراً: كيف يقضى أصحاب الحظ السعيد أوقاتهم!!

يقول صديقى الطبيب النفسى المخضرم: «إنها حالة ذهنية تتميز باعتقاد باطل راسخ يتشبث به المريض بالرغم من سخافته وقيام الأدلة الموضوعية على عدم صوابه. وتتسم هذاءات المريض بالمنطق، لكنه منطق لا يقوم على أساس صحيح فى كل الأحوال!!».

أعرف كثيرين ممن يتحدث عنهم هذا الرجل.. ربما لا يدركون أنهم مرضى من الأساس.. ولكنهم يصرون على الإعلان عن يأسهم من المحاولة دائماً.. فلن ينجح ما يخصهم أبداً!.. أين سمعت هذه الجملة من قبل؟!

يستطرد صديقى: «الشعور بالاضطهاد يورث المريض رفضاً كاملاً لأى محاولة للتغيير والتطور.. بحجة أن التغيير الواقع عليه دائماً ما يأتى بالأسوأ!.. منذ متى توقفت عن تجربة وصفات الأكل الجديدة التى تحب زوجتك أن تبتدعها؟! أنت مريض حتى النخاع يا صديقى ولكنك لا تعرف»!!

لن أجادله كثيراً.. فمن الغباء أن تحاول مناقشة طبيب نفسى يجيد عمله جيداً.. ولكننى مصر على موقفى!

«لن تستطيع أن تقنع نفسك أبداً بأن صفوف السيارات تسير بسرعة واحدة.. وأنه حتى الوصول متأخراً دقائق لن يغير من الأمر شيئاً..!

لن تستطيع أن تفسر الأمر لنفسك بأنه أول الشهر.. وأن الجميع يقومون بسحب مرتباتهم فى هذا اليوم تحديداً.. ولهذا فمن الطبيعى أن تجد الماكينات معظمها فارغ فى هذه الساعة المتأخرة.. الحكومة لا تضطهدك أنت.. فهى تضطهد الجميع طوال الوقت!..

حتى ذلك المزلقان المغلق على الدوام.. لن تتمكن من إقناع نفسك بأن تجرب عبوره فى ميعاد آخر!!»

إنه الاستسلام للفشل الذى يأتيك بكل السبل دون كلل..!

أنت مريض يا صديقى.. ينبغى أن تعترف!

مازلت مصراً على عدم الدخول فى جدال معه.. سيجرنى النقاش لأن أتحمس لتجربة جديدة.. ستفشل بكل تأكيد!!

يبتسم صديقى ويختم حديثه..

«الاستسلام للمرض سيورثك رغبة دفينة لاستعمال العنف ضد الآخرين!.. أنت تريد أن تقتلنى الآن لأننى تمكنت من هدم محراب اليأس الذى تعيش بداخله».

لا أعرف إن كان محقاً أم لا.. كما لن أتمكن من العودة إليه مجدداً لو أدركت أننى مريض بالفعل يوماً ما.. فلن يسامحنى بكل تأكيد.. بعد أن لكمته فى فكّه بهذه القسوة!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف