الوطن
ناجح ابراهيم
مفيش مشكلة خالص.. مع «نوران وموسى»
فى حلقة رائعة من برنامج «مفيش مشكلة خالص» قدّم المبدع والمصلح الاجتماعى محمد صبحى، نماذج رائعة من متحدى الإعاقة بطريقة أبكت الجمهور فى البرنامج والبيوت، فلا تكاد تخلو أسرة من هؤلاء.

لقد أظهرت الحلقة الطاقات والقدرات الخلاقة فيهم، فما سلب القدر شيئاً من أحد إلا عوضه الله خيراً منه.. فإن سلبه البصر أعطاه البصيرة.

تحدّثت الحلقة عن «ندى» التى حصلت على الدرجات النهائية فى «الإعدادية» رغم إعاقتها، وصدق القدر على من قال لوالدها «ندى سترفع اسم العائلة».

قدّمت الحلقة «أحمد شمس الدين»، الذى بهر الجميع بقدرته الفائقة على التحدى والتمثيل، وهى أصعب مهنة على أمثالهم.

وقدّم المذيعة الكفيفة «رضوى حسن» براديو 90/ 90، التى تتمتع بإرادة حديدية وعزيمة قوية، وقد قيل لها فى الإذاعة هذا مكانك عن استحقاق وجدارة. وتحدث عن مساعدة «علا عمار» لذوى الاحتياجات الخاصة فى حلقاتها على «النت».

ثم ظهر «صبحى» يلعب تنس الطاولة مع شخص لا يراه الجمهور، ثم أزيح الساتر الخشبى فإذا باللاعب الآخر مبتور اليدين، ممسكاً المضرب بفمه، ويلعب بطريقه رائعة، وكانت المفاجأة أنه حقّق بطولات عالمية فى تنس الطاولة للمعاقين.

وقد حكى «إبراهيم حمدته» قصة هذا التحدى الكبير، لم يهزمه ضعفه ووهنه وبتر يديه وهو طفل، لم ييأس أو يبكى أو يتسول الناس أو يحقد على أهل العافية.

شردت بخاطرى للحظات، تذكرت أحد الصالحين، كان مبتور اليدين والقدمين، وكان دائم الشكر والحمد لله فعاتبه صديقه: على أى شىء تحمد ربك وحالك هكذا، فقال: الحمد لله أن ترك لى قلباً يحبه، ولساناً يذكره.

إن بعض أهل البلاء أكثر ذكراً وشكراً وحمداً لله من بعض أصحاب المليونيرات والقصور الذين لا يشبعون ولا يحمدون، ويريدون المزيد حتى لو كان حراماً.

كما قدّم البرنامج «أ. أحمد حكيم»، الخطاط الشهير، الذى بُترت ذراعاه لشقاوته وهو صغير، وكان يحب الرسم، لكن الرسامين رفضوا أن يعمل معهم، وكلٌّ له حجته.

فقيل له: الخط أسهل وأسلس، فبدأ يكتب بالريشة التى يضعها بين أسنانه، وتقابل منذ الثمانينات مع «صبحى» بالإسكندرية، وكتب له إعلانات مسرحياته التى عُرضت هناك.

ثم تقدّم إلى سيدة يعانى ابنها من التوحُّد، وحكت كيف عانت، ليتم تشخيصه، ثم تضع ابنها على طريق الحياة، ليستطيع التفاعل والتعايش مع المجتمع.

وقدّم البرنامج قصة «نيكولاس» الأوروبى المبتور اليدين والقدمين، الذى يفعل الأعاجيب، والذى قال: إن سر تفوقى هو الشكر وحب الحياة والناس.

سرحت بخاطرى، تذكرت ابنتى «نوران»، التى وُلدت بعدة عيوب فى القلب، وكانت تعانى من حالة «داون»، كانت روحاً جميلة فى بدن سقيم، كان كل شىء فيها مريضاً بعدد ثقوب قلبها، وأخطأ بعض الأطباء فى تشخيصها، كانت كلما بكت، قلت لها: «مالك يا حبوب».

كانت صغيرتى «نوران» تتعذّب مع كل رحلة علاج إلى القاهرة، بعد قدومها إلى الحياة، قسمت الحياة بينى وبين زوجتى ترعاها من الصباح إلى الليل، ثم تنام، فأتسلمها لأسهر معها الليل، حيث إننى ليلى بطبعى، أيامها عزمت أن أتفرغ لها، أمر الأطباء بإجراء جراحة، فرفضت أمى قائلة: «يا بنى لا تجرح ابنتك، دعها ومصيرها». أصر الأطباء، فأجرينا الجراحة، ثم تصحيح وضع الصمامات، لكن قلبها الضعيف لم يتحمل التصحيح، فماتت بعد الجراحة بيوم.

شعرت أن الله أراحها من عذاب طويل، وأراحنا فى شيخوختنا من عناء كبير قد لا نقدر عليه، كتبت إلى «نوران» إهداءين على أحد كتبى، أحدهما قبل الجراحة، والآخر بعد وفاتها.

عاهدت نفسى وربى أن أمنح هدية لكل مريض «داون» يقابلنى، عرفتهم جميعاً فى منطقة عيادتى، أصبحت خبيراً فى معرفتهم من أول نظرة، أمهات الداون يعانين السهر والتعب والألم والبكاء والانتظار أمام المستشفيات، مع الترقب والخوف والتذلل لكل من هب ودب.

فى مصر، جراحون عظام لقلب الأطفال، بعضهم قارب د. مجدى يعقوب، إذ يستطيع أن يُصلح أربعة عيوب فى جراحة واحدة.

أسفت لأن الحلقة لم تُقدم أحد الـ«داون»، لكنى عذرتهم، جاءت فتاة كفيفة وغنت، وتحدث «صبحى» مع معاقة بطريقة رائعة، لم يجرحهم أو يتحدث بالتفصيل عن إعاقتهم.

شردت بخاطرى فتذكرت زميلى فى كلية الطب «موسى»، كان يعانى من ضعف العضلات «Myopathy»، ويعيش معنا فى المدينة الجامعية، كان لا يستطيع القيام من نومه ولا من جلسته إلا بمساعدتنا، كنت أدخله الحمام وأتركه ثم ينادى علىّ فأدخل لأوقفه، عرفت يومها قيمة «التواليت الإفرنجى» والأسانسير، وكل تجهيزات المعاقين.

كان لا يذهب إلى مكان لا يوجد فيه هذه التجهيزات، تعطل أسانسير الكلية يوماً، وكان عندنا امتحان «فارما كولوجى» فى الدور الرابع، حملته دورين، وحمله صديقى د. مصطفى السنارى دورين، حتى وصلنا للامتحان، كان «موسى» سبباً من أسباب تفوقى فى «الطب» لأننا تفرغنا معاً للعلم.

مجتمعنا لم يهتم بهذه الشرائح إلا مؤخراً، واهتماماته ضعيفة، والأعباء كلها تقع على الأسرة والأم خاصة، والمشكلة الأعظم هى زواج المعاقة، الرجل يتزوج بسهولة، أما المعاقة فلا يُقبل عليها أحد، العناية بالمعاق تحتاج إلى أموال كثيرة، والفقير لا مكان له الآن فى طابور الصحة، فضلاً عن علاج الإعاقة.

تحية إلى محمد صبحى وحازم الحديدى، وكل من أسهم فى هذا البرنامج.

هذا هو الإعلام بحق، والإصلاح الاجتماعى والأخلاقى، وهو الفن الذى نريده، فمصر مهدّدة أخلاقياً وقيمياً واجتماعياً وأسرياً قبل أن تكون مهدّدة سياسياً واقتصادياً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف