الوطن
د. محمود خليل
السبيل (28)
«دراويش المولد» كانوا على قناعة بأنهم على صحيح الدين يسيرون، و«دراويش الجماعة» كانوا على يقين بأن فهمهم للدين هو الفهم، و«دراويش الدولة» من موظفى الأزهر بالمساجد التى تزاحم فيها رواد «المولد» كانوا يرون أن الحقيقة لديهم وحدهم. كل يؤوِّل الدين على طريقته، ويرى فيها الطريقة المثلى.. أصبح الدين وحى الظرف!.

- مصطفى: هل تسمع تخريف هذا الفلاح يا طارق؟!.. هل تسمع؟!.

- حازم: دعوهم يا إخوة وشأنهم. إنهم أناس مساكين.

- مصطفى: اسكت أنت يا أخ حازم. يبدو أنك مخرف مثلهم!.

- طارق: اسمعوا يا جماعة: نحن نحب أهل بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكل أولياء الله الصالحين. وقد قال الله تعالى «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».. وقال «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ». نحن نتفق معكم فى حب أهل البيت وأولياء الله الصالحين، لكننا نختلف معكم فى ما تفعلونه بالتقرب إليهم واعتقاد أنهم يقضون الحاجات!. فالنافع والضار هو الله. هل تعلمون يا إخوة أن حلقات الذكر التى تقومون بها على المزمار ودقات الدفوف محرّمة؟!.

- أحد الفلاحين: محرمة؟! كيف يا أفندى؟!.. ألم يقل الله تعالى: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ».

- مصطفى: يا نهار أسود هل تعتقدون أن هذه الآية تعنى «التفقير»؟ والله أنتم عالم فقر!.. حلال فيكم السحق بالمراكيب يا أبناء المراكيب!.

- طارق: اسكت!.. انتظر يا أخ مصطفى!.

- مصطفى: أسكت؟!.. كيف أسكت على هذا الكفر البيّن؟!.. إنهم يفسرون كتاب الله حسب مزاجهم!.

- طارق: هل هذا كلام يا جماعة؟! لكن دعونا من ذلك.. إنكم تسمعون الأذان ولا تصلون! فهل هذا من الإسلام فى شىء؟!.

- أحد الفلاحين: يا أفندى!.. إن حب الله ورسوله وأهل بيته تمكن من قلوبنا. فلماذا نصلى؟!.. إن الهدف من الصلاة هو إحكام الصلة بين العبد وربه. ونحن موصولون بالله دائماً. والواصل لا ينقطع!. لقد رُفعت عنا الصلاة!.

- مصطفى: رُفعت عنكم الصلاة؟!.. ماذا تنتظر أكثر من ذلك يا أخ طارق؟!.. إنهم كفرة حلال ذبحهم!.

يصفع «مصطفى» أحد الفلاحين الواقفين على قفاه!. ويرد آخر بضرب «طارق». يجرى «مصطفى» ويسحب عصا غليظة!. ويهرول «على» لاستدعاء إخوة السبيل. ويتتابع الفلاحون من الخيام المصطفة على جانبى السبيل، ويتدفّق عدد كبير من رفاق «الزاوية»، وتتشابك الأيدى، وتنهال القفف من كل الاتجاهات فوق رؤوس الجميع، يصرخ «مصطفى»: «الله أكبر.. والنصر للإسلام». تنتاب «طارق» اندهاشة من هذا الهتاف، لكنه يجد نفسه يصرخ به مع فريقه الذى يقاتل أهل المولد.. يهرول بعض الأهالى إلى حيث المعركة الناشبة، ويحاولون «التحجيز» بين المتشابكين، فيصيبهم شىء من رذاذ المعركة، يضطرهم إلى المشاركة فيها. وفى اللحظة التى شعر فيها الجميع بالتعب توقفت المعركة من تلقاء نفسها، ليُصاب فيها عدد من إخوة السبيل، وعدد أكبر من الفلاحين!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف