الصباح
وائل لطفى
المفاعل النووى المصرى.. ضربة السيسى المقبلة
*يزور روسيا فى نهاية هذا الشهر.. والعمل فى المشروع يبدأ بعد الزيارة
*السادات قرر بناء محطة الضبعة ومبارك عطل البناء ومرسى ومنصور تحدثا عنه.. والسيسى سيبنيه بالفعل
*رجال مبارك قدروا التكلفة بــ4 مليارات دولار ومصر وقعت مع روسيا لبناء محطتين بتكلفة 10 مليارات دولار
*الروس لن يحصلوا على أى أموال من مصر إلا بعد بدء تشغيل المحطتين وبيع الكهرباء الناتجة عنهما

إذا كان السؤال هو من الذى يعرف خطوة السيسى القادمة؟ فالإجابة لا أحد سوى السيسى نفسه.. فرجل المخابرات الحذر فى داخله لا يعلن عن مشاريعه القادمة.. ويفضل أن يفاجئ بها الجميع سواء الأعداء المتربصين أو المؤيدين الذين تزيد المشروعات الجديدة من حدة تأييدهم وتجعلهم يشعرون أنهم اختاروا الاختيار السليم.
ورغم أن موعد المؤتمر الاقتصادى كان معروفًا للجميع إلا أن الرئيس السيسى فضل أن يحتفظ لنفسه بالكثير من المفاجآت التى جرت فى المؤتمر، ولعل أهمها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، حيث أفاق الشعب على مفاجأة سارة لمؤيدى الرئيس، وهى أن هناك عاصمة جديدة تم توقيع عقود إنشائها، وسيتم الانتهاء من المرحلة الأولى منها خلال ثلاث سنوات على الأرجح.
وبنفس طريقة المفاجآت المعلنة ينتظر البعض أن تكون المحطة النووية فى الضبعة هى المفاجأة الجديدة.. وروسيا التى غابت عن خشبة المسرح فى المؤتمر الاقتصادى ينتظر أن تعاود الظهور بقوة.
ووفق مصادر مؤكدة فسيعود الرئيس السيسى لزيارة روسيا مرة ثالثة فى التاسع والعشرين من الشهر الجارى ليوقع بشكل نهائى على اتفاقية تأسيس مفاعل الضبعة النووى بتكلفة 10 مليارات دولار أمريكى.. والمفاجأة هنا أن الروس لن يحصلوا على مليم من الجانب المصرى إلا بعد بدء إنتاج الكهرباء من المفاعل ولعل هذا هو سر ارتفاع تكلفة تأسيس المفاعل التى كانت تقدر حتى ما قبل خلع الرئيس الأسبق مبارك بــ4 مليارات دولار فقط، لكن ارتفاع الأسعار والرغبة فى تأسيس أكثر من مفاعل فى الضبعة أديا لأن تكون التكلفة المنتظرة 10 مليارات دولار، وهو رقم ليس كبيرًا بالقياس إلى حجم الكهرباء التى سينتجها المشروع والتى يقدر أن تصل لــ1400 ميجاوات سنويًا، ينتجها كل مفاعل من المفاعلين اللذين ينتظر أن يبدأ الروس فى بنائهما فى القريب العاجل، وبعد وقت قليل من عودة السيسى من روسيا.
إن «الحسم» هو الصفة الأساسية التى يتمتع بها الرئيس السيسى، وقد حسم السيسى 34 عامًا من التردد إزاء مشروع الضبعة النووى، عندما وقع مع الرئيس الروسى بوتين أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة مذكرة تفاهم لتأسيس مفاعل الضبعة النووى.. بعد أن كانت مصر تققف محتارة إزاء 6 شركات تحمل جنسيات دول مختلفة.. من الصين إلى فرنسا ومن اليابان إلى كوريا الجنوبية، ومن أمريكا إلى روسيا، وبينما كان مقررًا حتى العام الماضى أن يتم طرح المشروع فى مناقصة عالمية أمام شركات تنتمى للدول الست، إلا أن الرئيس السيسى حسم الأمر على طريقته، وقرر أن يمد يده لروسيا التى يربط مصر بها الآن تحالف سياسى عميق يستند إلى علاقة ثقة وتفاهم بين الرئيس الروسى بوتين وبين السيسى الذى يعتبره الكثيرون «بوتين المصرى».
لقد حسم السيسى 34 عامًا من التردد إزاء مشروع الضبعة بدأت منذ أصدر الرئيس السادات عام 81 وقبل شهور من اغتياله قرارًا بتخصيص أرض الضبعة لتأسيس مفاعل نووى لتوليد الكهرباء.. وقد وُصفت الأرض وقتها بأنها مساحة 15 كم على الساحل الشمالى تمتد بعمق 3 كم للداخل.. وإن قالت تقديرات أخرى إنها 60 كم2 على الساحل الشمالى.. اختارتها شركة فرنسية أجرت دراسة الجدوى للمشروع واختارت أرض الضبعة لأسباب متعددة.. أهمها البعد عن نطاق الزلازل والقرب من مياه البحر اللازمة لتبريد المفاعل.
وبخطى كسولة اهتم نظام مبارك بالمشروع، حيث استغرق الأمر سنتين ليتم التفكير فى مناقصة عالمية لتأسيس المحطة.. لكنّ السنين امتدت لخمس سنوات حتى نصبح فى عام 1986 وتقع كارثة مفاعل تشيرنوبل الشهيرة ويدخل المشروع ثلاجة التجميد لسنوات طويلة، ولا يخرج منها إلا فى عام 2007 حين أعلن مبارك عن نيته فى استئناف مشروع الضبعة النووى.. لكن لوبى مستثمرى الساحل الشمالى بزعامة رجل الأعمال إبراهيم كامل أثار اعتراضات حول مكان المشروع، وما إذا كان من المناسب نقله لمكان آخر وطرح أراضى الضبعة للاستثمار السياحى، وبين دوامة الاعتراضات والاعتراضات المضادة تعطل المشروع حتى عام 2009، وكانت الخطوة الوحيدة التى تم اتخاذها هى الاتفاق مع شركة أسترالية لمراجعة الدراسات القديمة، وقالت دراسات الشركة إن «الضبعة» هى الأكثر ملاءمة للمشروع، وتم تقديم الدراسة لوكالة الطاقة الذرية التى وافقت عليها.. لكن نظام مبارك عاود التزام الصمت إزاء المشروع، حتى قامت ثورة يناير التى لم تحمل مفاجآت سارة للمشروع، فبعد عام كامل من قيام الثورة، وفى 13 يناير 2013 اقتحم أهالى الضبعة الأراضى المخصصة للمشروع، وهدموا الأسوار التى تحيط بها.. ودمروا محطة لتحلية مياه البحر فضلًا عن المساكن الخاصة بمهندسى هيئة الطاقة النووية، وكانت ذريعتهم أن التعويضات التى حصلوا عليها وقت تخصيص الأرض للمشروع لم تكن كافية.
وبعد قيام ثورة 30 يونيو استلم الجيش أرض المشروع، واجتمع الرئيس السيسى وهو وزير للدفاع بأهالى الضبعة وتقرر تخصيص 2300 فدان تبنى فيها القوات المسلحة ما يشبه مدينة جديدة لأهالى الضبعة.. قبلها وفى أكتوبر 2012 كان الرئيس المعزول مرسى قد زار الضبعة وأعلن أنه سيتم تأسيس محطة نووية بها، وبعدها بعام كامل وفى احتفالات أكتوبر تحدث الرئيس المؤقت عدلى منصور عن نية مصر دخول عصر المفاعلات النووية.
لقد شاء القدر أن يكون السادات هو صاحب قرار تأسيس المشروع، وأن يعطله مبارك، وأن يتحدث عنه مرسى وعدلى منصور، وأن يكون السيسى هو الرئيس الذى يتم بناء المشروع فى عهده.
لقد وقع السيسى بالفعل مذكرة التفاهم مع الروس، الذين اختاروا شركة «روزاتوم» لبناء المشروع، الذى تقرر أن يكون عبارة عن محطتين قدرة كل منهما 1400 ميجاوات.. بتكلفة 10 مليارات دولار.
لقد كان بناء مفاعل نووى دائمًا محل خلاف بين الخبراء.. فالكثيرون اعتبروه الحل الوحيد أمام مصر لسد النقص المتزايد فى الاحتياجات الكهربائية.. وكانت وجهة نظر هؤلاء أن مخاوف التسرب النووى هى مخاوف لا مكان لها على أرض الواقع، وكان هؤلاء دائمًا ما يضربون المثل بالولايات المتحدة الأمريكية التى يوجد على أرضها 108 مفاعلات لأغراض مختلفة.. وكانت وجهة النظر المعارضة تضم أسماء لامعة مثل: الأديب الكبير محمود المخزنجى والعالم الكبير فاروق الباز، لكن السيسى الذى تطارده الرغبة فى الإنجاز اختار أن يلجأ لسلاح الحسم.. وينتظر أن يعود للمصريين بعد زيارته لروسيا بالمفاجأة المقبلة، وهى البدء فى بناء مفاعل الضبعة النووى.
فإذا كانت هذه هى مفاجأة السيسى المقبلة للمصريين.. فماذا ستكون مفاجآته بعد المقبلة.. انتظروا المقال المقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف