سليمان جودة
د. خالد حنفى.. الرغيف أولًا.. ولكنه ليس آخرًا!
يبقى الدكتور خالد حنفى، وزير التموين، واحدًا من بين عدد من الوزراء، فى الحكومة الحالية، استطاعوا أن يصلوا إلى قطاعات عريضة من المواطنين، من خلال أشياء قاموا بها فعلًا، وليس من خلال كلام يمكن إطلاقه هنا، أو هناك.
وقد كان وزير التموين عمومًا، من الوزراء القلائل فى أى حكومة، الذين يتصل عملهم بحياة الناس بشكل مباشر، وبشكل يومى أيضًا.
وعندما نتكلم عن وزير التموين -أى وزير تموين- فإننا نتكلم عن وزير ينتظر منه المواطن، خصوصًا المواطن البسيط صاحب الحاجة، أن يعطيه شيئًا يجعل حياته أفضل، وأقل صعوبة، وبما يجعل أيضًا لهذه الحياة، معنى وطعمًا!
وعندما أصف الدكتور حنفى، على هذا النحو، فإننى لا أصفه هكذا، بناء على ما يقوله هو فى الصحف، أو فى وسائل الإعلام بشكل عام، ولا بناء على ما يقوله فيه أهل الإعلام، ولا حتى بناء على آراء تمتدح أداءه فى هذه الوسيلة الإعلامية، أو تلك.
لا أصفه بما وصفته به، بناء على شىء من هذا كله، وإنما أفعل ذلك، بناء على ما أسمعه من مواطنين عاديين يلمسون فى حياتهم، نتائج عمله، ثم لا يملكون إلا أن يعترفوا بأنه، كوزير، قد عمل منذ أول يوم جاء فيه إلى منصبه، على أن يقدم شيئًا للذين جاء من أجلهم، وأن يكون هذا الشىء ملموسًا، ومحسوسًا، وواصلًا إلى أصحابه، كما يجب أن يصل!
مثلًا.. سمعتُ من أكثر من مواطن، وجميعهم لم أكن أعرفهم، وإنما كنت أقابلهم صدفة فى عرض الشارع، أن رغيف الخبز الآن، غيره زمان، وأن الاختلاف حدث فى نوعيته، ودرجة جودته، بالأساس، وأنه صار رغيفًا تتوافر فيه الحدود الدنيا للآدمية، فى عين مستهلكه.
وليس سرًا، أنه قد جاء وقت علينا، كانت الطوابير أمام المخابز، شيئًا يدعو إلى الأسف، وكانت شيئًا مؤلمًا، وموجعًا معًا.
ولم تكن المشكلة، أن عندنا طوابير أمام المخابز، فالطوابير كفكرة، موجودة فى بلاد كثيرة، وفيها عمومًا يتعلم المواطن ضرورة احترام الآخرين، وضرورة النظام فى الحصول على مختلف السلع والخدمات، وضرورة احترام الدور الذى يقف فيه فى طابوره، بين آخرين أمامه وخلفه!
لم يكن شىء من هذا مُتاحًا فى طابور الخبز، وإنما كان المواطن يُهان فى الطابور، ويحصل فى نهايته على خبز تعاف الحيوانات منه، بل ووصل الأمر إلى حد سقوط بعض القتلى فى الطوابير، وكانت تلك هى ذروة المأساة.
ومع مجىء الوزير خالد حنفى، أظن أنه لم يعد هناك طابور أمام أى مخبز، وإذا كان هناك طابور فهو على الأقل، طابور معقول وآدمى.. وهذا بالمناسبة هو كل ما يطلبه المواطن، إذا ما كان لا بد له من الوقوف فى طابور: أن يقف فى صف آدمى، يحترمه كإنسان، ثم يحصل حين يأتى دوره على سلعة تصلح له كإنسان أيضًا!
ولا بد أن وزير التموين، لم ينفخ فى يده، لتختفى الطوابير من أمام المخابز فجأة، ولا بد أيضًا أنه لم يستعن بساحر، لإخفائها، ولا الدولة من جانبها قد أمدته بإمكانات أكثر من تلك التى كان وزراء التموين من قبل، يحصلون عليها.
كل ما حدث، أن هذا الوزير، قد فكر فيما يبدو فى المشكلة، بعقله، فأدرك أنها فى حاجة إلى نظام يوضع، وإلى قواعد تستقر، وإلى أصول لا بد من مراعاتها، لتنتظم الخدمة من بعدها، فى المخابز، ولتصل السلعة، من بعد ذلك، إلى مستهلكها، بما يليق به كمواطن.
وما يُقال عن الرغيف، يُقال عن غيره من السلع، دون أن يكون فى ذلك بالطبع، إقرار منى بأن الوضع مثالى جدًا، وأنه ليس هناك ما هو أفضل من ذلك، ولا أحسن، ولا أروع.
لا.. فليس هذا هو القصد، وإنما القصد كله، أننا أمام وزير يؤدى فى مكانه، بأفضل مما كان سابقوه يؤدون ، وأن نتائج أدائه قد وصلت، وبسرعة، إلى الذين يؤدى هو من أجلهم بالضرورة.
إذ الطبيعى أنه لا يزال هناك متسع أمام وزير التموين، وأمام غيره من الوزراء، فى اتجاه تقديم نوع من الأداء الوزارى، أو الحكومى، يختلف عما كان يتم فى فترات سابقة.
وليس سرًا كذلك، أن استحسان الأداء العام، من جانب كثيرين، إزاء الدكتور خالد، قد دفع بعضهم إلى أن يكتبوا ويطلبوا أن يصبح هو رئيسًا للحكومة، وكان الهدف من وراء ترشيح كهذا، أن ينتقل نجاح وزير التموين، إذا جاز لنا أن نصف أداءه بأنه ناجح، من دائرته الضيقة فى إطار وزارة التموين، إلى دائرة أوسع على مستوى الحكومة كلها.
وإذا كان لى أن أبدى رأيًا فى مثل هذا الترشيح، فإننى أفضل أن يبقى الرجل فى مكانه لفترة يستطيع خلالها أن يؤسس لما يفعله جيدًا، بما يضمن لأدائه، كوزير تموين، أن يستقر على قواعد ثابتة، وأن يدوم بالتالى، من بعده، فلا ينتكس الأداء لاحقًا، فيعود إلى ما كان من سوء، ولا يأتى وزير آخر، بمنظور مختلف، فيضطرب الأداء، ويعود الرغيف، على سبيل المثال، سلعة سيئة المواصفات، كما كان من قبل.
وإذا كان هو يُطلق مُسمى «المنظومة الجديدة» على الطريقة التى اعتمدها، واعتمد عليها، فى «التموين» كوزارة، فنحن نريد لهذه المنظومة الجديدة أن تعيش، وأن تتطور دومًا، وأن يدوم تطويرها حتى تصبح جزءًا من أسلوب الحياة فى البلد.
نريد أن يستوعب المواطن، الذى يشكل الرغيف جزءًا أساسيًا من الوجبة على مائدته، أنه إذا كان قد قيل، إنه ليس بالرغيف وحده يحيا الإنسان، فهذا صحيح، لأن الأهم من الرغيف، هو الإحساس بالآدمية من جانب مستهلك الرغيف.. وتلك مسئولية مُلقاة على كاهل الوزير خالد حنفى وحده، وهو بما قدمه إلى الآن، قادر على أن ينهض بها.