خالد عكاشة
سر هجوم شيعة العراق على الإمام الأكبر
*«هيومن رايتس » أكدت اتهامات«الأزهر » لميليشيات «الحشد الشعبى » الشيعية بقتل «سُنة العراق
*شيوخ العشائر وضباط «البيشمركة »شهدوا بنهب المسلحين لقرى «آمرلى » بعد طرد الإرهابيين
*العبادى اعترف فى رده على تقريرالمنظمة الدولية بوجود «أخطاء فردية » لا تمت بصلة للحكومة
* شيخ الأزهر فتح الملف المسكوت عنه وسط التركيز على جرائم "داعش.." وبغداد ردت باحتجاج
*النفيس اتهم الطيب باتباع المواقف السعودية وكأن المطلوب منه ألا يلتفت إلى جرائم تطهير مذهبى
اتهمت «هيومن رايتس ووتش » فى تقرير أصدرته الخميس الماضى الميليشيات والمقاتلين المتطوعين «قوات الحشد الشعبى »، وقوات الأمن العراقية بالمشاركة فى عمليات سلب ونهب وتدمير ممتلكات السنة فى المناطق التى دخلتها بعد انسحاب داعش منها، حيث نقلت المنظمة عن شهود عيان وسكان لتلك المناطق ما أدلوا به من أقوال تفصيلية عن وقائع السلب والتدمير التى شملت عشرات القرى، ودعت المنظمة الحكومة العراقية لكبح جماح الميليشيات الشيعية مشيرة إلى أن تقريرها يعتمد على زيارات ميدانية وتحليل لصور الأقمار الصناعية، ومقابلات مع الضحايا والشهود، وذكرت المنظمة أن الأدلة أشارت إلى تدمير قريتين اثنتين عن بكرة أبيهما بما فيهما من
ممتلكات عامة وخاصة، وقالت المنظمة إن بعض الهجمات كانت مخططة سلفًا «مما يثير الشكوك بشأن ما إذا كانت هيئات الحكومة السياسية والعسكرية التى تشرف على الميليشيات هى المسئولة عن التخطيط للهجمات .
«هيومن رايتس ووتش » هو اسم المنظمة التى تعنى ترجمته من الإنجليزية إلى العربية «مراقبة حقوق الإنسان ،»وهى منظمة دولية غير حكومية تعتبر المنظمة الأكبر فى العالم المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها، مقرها مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية وتأسست فى العام 1978 م بهدف أولى هو التحقق من أن الاتحاد السوفيتى حينها يحترم اتفاقيات هلسنكى، ثم تطور
الأمر بعد ذلك وبعد ظهور منظمات أخرى لمراقبة حقوق الإنسان فى مناطق مختلفة من العالم، قامت بالاتحاد والاندماج فيما بينها لتظهر «هيومن رايتس ووتش » بشكلها الحالى، ولتحتل مكانة عالمية مرموقة تجعل تقاريرها محل اعتبار واحترام دولى، حتى ولو كان لدى العديدين منا تحفظات حول بعض من التقارير التى تصدر للتعبير عن وجهة نظر سياسية فى جانب ما من مشهد يحوى العديد
من الجوانب التى قد لا تلتفت إليها المنظمة، لكن ظلت المنظمة تستعين بالعديد من المهنيين الحقيقيين الذين يرصدون فى كثير من القضايا انتهاكات حقيقية ترتكب فى حق الدفاع عن الحياة الإنسانية الآمنة، «هيومن رايتس ووتش » كمنظمة دولية ينضوى تحت عضويتها أكثر من 180 شخصًا من المهنيين، الذين يكرسون جهدهم للعمل على مراقبة حقوق الإنسان فى شتى بقاع العالم، وفيهم المحامون والصحفيون وأساتذة الجامعات والخبراء المختصون فى شئون بلدان العالم، وهم من مختلف الجنسيات ويقيمون علاقات مع جماعات حقوق الإنسان فى كل أنحاء العالم، وتتخذ المنظمة من نيويورك مقرًا دائمًا لها ويتبع لها مكاتب فى لندن وبروكسل وسان فرانسسكو وهونج كونج وواشنطن ولوس أنجلوس، وتقيم مكاتب مؤقتة لها عند الضرورة فى أماكن عمليات الرصد التى تقوم بها لحين انتهائها من إصدار تقرير ما حول قضية بعينها مثل ما نحن بصدده الآن.
لفتت المنظمة فى تقريرها المشار إليه إلى حادث آخر يتعلق بالهجوم على )مدينة تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين(، ونقلت عنها صحيفة نيويورك تايمز تسجيلها لحوادث انتهاك واسعة من قبل
الميليشيات المشاركة فيما يطلق عليه«قوات الحشد الشعبى »، بما فى ذلك حرق المنازل بصورة متزايدة وممنهجة فى البلدة حيث ساد اعتقاد تم الترويج له أن السكان قد شاركوا فى المذبحة التى
ارتكبتها داعش سابقا، وراح ضحيتها ما لا يقل عن ألف من الجنود والمجندين فى يونيو الماضى، ونقلت المنظمة عن الشهود، وهى قد ذكرت فى التقرير صفاتهم «بينهم شيوخ عشائر وضباط فى البيشمركة الكردية » قولهم أنهم رأوا الميليشيات المسلحة تنهب القرى المحيطة «بقرية آمرلى » بعد انتهاء الهجوم ضد داعش، ومباشرة قبل تدمير الميليشيات المسلحة للمنازل فى البلدة قالوا إنهم رأوا
أفراد الميليشيات يأخذون المقتنيات ذات القيمة مثل )الثلاجات، وأجهزة التليفزيون، والملابس، وحتى الأسلاك الكهربائية( خارج المنازل، قبل إضرام النيران فى المنازل والمخازن والمحال الموجود بآمرلى والمناطق المحيطة،وذكر السكان ل «هيومن رايتس ووتش »إن الميليشيات المسلحة التى قامت بتلك العمليات والانتهاكات أمكن التعرف إليها، عن طريق المركبات والشارات والأعلام التى رفعت بوضوح على سيارات المهاجمين، حيث تبين أنها تضم )فيلق بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وسرايا طلائع الخراسانى(، وهى الميليشيات المسلحة التى دمرت جزئيًا أو كليًا
العديد من القرى، وقال ضباط من قوات البيشمركة الكردية التى انضمت إلى الحكومة فى «عملية آمرلى » ل«هيومن رايتس ووتش »، وقد وثق ذلك فى التقرير المنشور إنهم رأوا 47 قرية دمرتها الميليشيات المسلحة السالف ذكرها ونهبت فى تلك القرى المنازل والمحال والمساجد والمبانى العامة.
فى رسالة مؤرخة فى 12 مارس رد مكتب «رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى » على خطاب من «هيومن رايتس ووتش »، حول النتائج الرئيسية للتقرير مقرًا بوجود «بعض الأخطاء الفردية التى لا تمت بصلة إلى سلوك الحكومة العراقية ،»وأشار الرد إلى أنه كانت هناك اعتقالات وتحقيقات قد تمت فى عدد من تلك الحالات الفردية،لكن الضحايا المزعومين لم يظهروا أمام المحكمة لتقديم شهادتهم بشأن مزاعمهم، لكن بعد هذا الرد المتهافت دعت«هيومن رايتس ووتش » مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لأن يوثق علنًا الجرائم التى ترتكبها الميليشيات المسلحة وقوات الأمن ضد المدنيين، فضلً عن الجرائم التى ارتكبتها وترتكبها جماعة داعش، وطالبت المنظمة الدول التى تقدم مساعدات عسكرية إلى العراق بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، أن تشترط علي الحكومة العراقية أن تظهر التزامها بأنها تتخذ خطوات فعالة لوضع حد للجرائم الخطيرة جدًا من جانب الميليشيات المسلحة التى تعمل تحت أمرة الجيش والأمن العراقى.
هذا مختصر لما دار وكتب فى تقرير منظمة دولية معنية ومتخصصة فى الدفاع عن حقوق الإنسان، وقصد البدء بها حتى يمكن تصور المشهد الذى لفتت «مؤسسة الأزهر »لمدى خطورة الجرائم التى ترتكب فى العراق ضد مدنيين عزل لم يرحمهم أحد لا داعش ولا الميليشيات المتعاونة مع الجيش والأمن الرسمى العراقى، حيث تطورت أزمة تصريحات «شيخ الأزهر فضيلة الإمام د. أحمد الطيب »
التى انتقد فيها ممارسات «الميليشيات الشيعية » فى العراق بحق السكان السنة، فبعد مواقف مندد من شخصيات شيعية إيرانية وعراقية قامت بغداد باستدعاء السفير المصرى لديها، وقامت بتسليمه مذكرة احتجاج رسمية على التصريحات التى أدلى بها فضيلة الإمام الأكبر، وأذاع التليفزيون العراقى إن وزارة الخارجية العراقية استدعت الثلاثاء الماضى السفير المصرى فى بغداد وسلمته مذكرة احتجاج رسمية بخصوص التصريحات الأخيرة لشيخ الأزهر والاتهامات التى وجهها «لقوات الحشد الشعبى »، وطالبت المذكرة الدولة المصرية ب «التعبير عن موقفها الرسمى »تجاه مثل هذه التصريحات التى تسىء إلى طبيعة العلاقات الأخوية ما بين البلدين، وذكرت الوزارة أن من وصفتهم ب«أبطال الحشد الشعبى » وهى التسمية الرسمية فى العراق للميليشيات الشيعية، وهى التى تقاتل إلى جانب القوات الحكومية «لبوا نداء الوطن لتحرير أراضيه من دنس وسيطرة تنظيم عصابات خارجة عن قيم الدين والإنسانية،معتبرة أن الأزهر أساء إلى قوات الحشد الشعبى العراقية التى تقاتل عصابات داعش الإرهابية.
أما عن التصريح الأزمة والذى لا أراه قد ذهب بعيدًا عما جاء فى تقرير منظمة «هيومن رايتش ووتش » من وقائع، فضآ عن العديد من التقارير الصحفية التى تحدثت عن تلك المشاهد المروعة تفصيليًا طوال الأسابيع الماضية، فقد كان الدكتور أحمد الطيب كشيخ للأزهر ينتظر منه أن يصدر قولً يلفت نظر المسئولين لما وصل إليه وإلينا جميعًا، وهو ما قم به فعليا عندما ندد فى بيان أصدره الأسبوع الماضى بما وصفها ب «المجازر التى ترتكب ضد أهل السُنة » فى العراق خلال المواجهات مع «داعش ،»ووصف الطيب مرتكبى تلك الجرائم بأنهم «ميليشيات شيعية متطرفة » فى إشارة إلى «ميليشيات الحشد الشعبى »التى تقاتل إلى جانب القوات العراقية فى عدد من مناطق البلاد، وطالب شيخ الأزهر «بضرورة التحرك العاجل لوقف المجازر التى ترتكب ضد أهل السُنة فى العراق »، وقال
إن تلك التنظيمات ترتكب «جرائم بربرية نكراء فى مناطق السُنة التى بدأت القوات العراقية بسط سيطرتها عليها خاصة فى تكريت والأنبار، وغيرها من المدن ذات الأغلبية السُنية »، ولا أرى أى تزيد فيما ذكره شيخ الأزهر سوى أنه دخل على الملف المسكوت عنه فى خضم نقل وقائع جرائم داعش والحرب على داعش، وكان لدخوله هذا وقوله لهذا الحق الذى يراد تجاهله والمرور عليه فى صمت أن أشعلت الحملات الإعلامية المسيسة على الشيخ الجليل،فقد شنت بعض المرجعيات الدينية الشيعية حملة على شيخ الأزهر فاتهمه البعض ب «تجاهل » جرائم داعش، فى حين قال قيادى شيعى مصرى إنه يتبع المواقف السعودية داعيا إياه إلى «الاعتدال أو الاعتزال » على حد قوله، وكأن الشيخ الجليل عندما يلفت النظر إلى جرائم تطهير مذهبى تتم على أرض العراق هو بذلك يبتعد عن الاعتدال، وهذا الرد الأبرز للأسف الشديد جاء من مصر نفسها بمقال للقيادى الشيعى أحمد راسم النفيس، وهو الذى وجه فيه لشيخ الأزهر بالدعوة ل «الاعتدال » أو «الاعتزال » متهمًا إياه بأنه «تناسى جرائم داعش » مضيفًا: «لا أدرى باسم من ينطق ويتصرف شيخ الأزهر؟! هل هو تابع للخارجية المصرية أم أنها تابعة له، أم أنه مؤسسة حرة مستقلة ذات سيادة »، ومفهومًا بالطبع أن تروج وتنقل عنه ذلك )وكالة تسنيم الإيرانية( شبه الرسمية، ما زعم فيه راسم النفيس أن بيان شيخ الأزهر هو «للتضامن مع داعش » وهو مقال وحديث متهالك ومتهافت وسياسى بامتياز، فيه من التجرؤ على الحقيقة وعلى مقام الشيخ الدكتور أحمد الطيب ما يجعله نشرة مروجة للجرائم التى ترتكب فى حق مدنيين قبل كونهم سُنة أو أن مرتكبيها شيعة، وعندما يضع حديث شيخ الأزهر فى خانة التضامن مع داعش فهو بذلك يتهم نفسه حقيقة بما يعف لساننا على اتهامه به أو فهم مراده
من نوعية مثل هذا الحديث !!
ويعود السيد النفيس مضيفًا: «الشيخ أحمد الطيب لا يزال متخندقًا فى نفس الخندق الذى يقف فيه النظام السعودى، الذى بارك غزو العراق ظنًا منه أن الغزوة التالية ستكون ضد إيران، إلا أن الله خيب آمالهم وأضاع حظهم من الدين والدنيا، وهاهم يعيشون حال الخوف والجزع من مواجهة المستقبل الآتى حتما بما لا يشتهون » على حد قوله، وهو حقيقة هنا يعيد اتهام نفسه بأنه لا يتابع مطلقًا ما يدور على الساحة السياسية رغم أنه أخذ بالحديث ناحية السياسة، فهو لم يطلع على طلب الحكومة العراقية من الولايات المتحدة الأمريكية سرعة التدخل فى العراق لحمايتهم من داعش بعد استيلائهم على الموصل وثلاث محافظات من الوسط العراقى، ولم يصله أيضًا العرض الإيرانى الملح بأنه على استعداد للمشاركة فى قوات التحالف وتقديم كل العون الاستخباراتى والعسكرى لتلك القوات، وأن الرفض جاء أمريكيًا بعيدًا عن وهم الخندق السعودى الذى يتحدث عنه، والذى كان ضروريًا الزج باسم
المملكة فى غير موضعها حتى يضمن مساحة كبيرة من الترويج بالإع ام الإيرانى، لكن الحديث بدا بعيدًا عما يحذر منه شيخ الأزهر حفاظًا على أرواح مسلمين تزهق بلا جريرة فلا هم أعضاء بتنظيم داعش ولا هم يحاربون فى صفوفه، لكن السيد النفيس وحوارى إيران لا تنقصهم الجرأة على الحق فتغافلوا عن الدم الحرام وتفرغوا للتخبط هنا وهناك لممارسة مزيد من الخلط والتجاوز يحتمه عليهم دورهم المتوقع منهم، والذى لا يستطيعون الخروج عنه، حتى لو كلفهم ذلك فضلً عن تجاوزهم للاعتبارات الإنسانية التى ينص عليها ديننا الحنيف بوجوب قول الحق والدفاع عنه، أن يبدوا وكأنهم يتحدثون فيما لا يفقهون وعلى استعداد دائم لإلقاء إتهامات سهلة ساذجة لقامة دينية تحدثت بالحق الذى نعلمه جميعا ويعلمه السيد النفيس جيدًا، ولم نكن نحن لنرضى من الدكتور أحمد الطيب بأقل مما فعل رغم كل حملات التشهير المغرضة.