هانى عسل
ديمقراطية «الجبناء» .. وثورة «الكتاكيت»
هذه المرة، لم يعرب بان كى مون عن قلقه، ولم يراقب أوباما الموقف، ولم تذرف «رويترز» وأخواتها الدموع على الحريات، ففشل مظاهرات 25 أبريل كان ذريعا ومخجلا، وظهر رفض المصريين لها، قيادة وحكومة وشعبا!
الذين دعوا لمظاهرات 25 أبريل لم يحترموا أحدا، فلم يستحقوا احترام أحد!
لم يحترموا الدولة، فدعوا لإسقاط «النظام»، ونسوا موضوع الجزيرتين، فانتقلوا تلقائيا من خانة المعارضين، إلى خانة «المخططين لقلب نظام الحكم»!
لم يحترموا الدستور والقانون، فاستكثروا الحصول على تصريح بالتظاهر، ومع ذلك حملوا الأمن مسئولية حمايتهم وتأمينهم!
لم يحترموا عيد تحرير سيناء، أحد أغلى أيام مصر، فنزلوا لسب «أصحاب الفرح» و«العكننة» على المصريين، فبدوا وكأنهم يردون اعتبار إسرائيل عما أصابها فى ذلك اليوم!
لم يحترموا الشعب، فقالوا «الشعب يريد»، والشعب منهم براء، وعندما رفع متظاهرون آخرون - من الشعب أيضا - أعلام مصر وصور رئيسها أمامهم، وصفوهم بأنهم «بلطجية» و«أمنجية» و«عبيد»!
لم يحترموا دماء الشهداء، فلم يشعروا بأى خجل أو عار من نزولهم للتظاهر بدعوة صادرة أساسا من جماعة إرهابية، واختاروا بأنفسهم الوقوف فى صف واحد مع القتلة، وتحدثوا بنفس لهجتهم، ونفس منطقهم، وخدموا نفس أهدافهم، وأصبحوا «شخشيخة» فى أيديهم، فوجدوا أنفسهم فى جانب، والقيادة والشعب فى جانب آخر!
لم يحترموا وجود قنوات حرة فى البرلمان والأحزاب والإعلام الرسمى والخاص للحديث عن قضية «تيران» و«صنافير»، وأصروا على أن «الكلمة كلمتهم»، ولو تمسكت مصر بالجزيرتين، لاتهموها أيضا بالسرقة والبلطجة، لأن قضيتهم هى «خالف تعرف»!
لم يحترموا حتى المبدأ الذى يدافعون عنه، بدليل أنهم برروا عدم نزولهم بالقمع الأمنى والحر، رغم أنهم يذكرون جيدا أن ثورتى 25 يناير و30 يونيو جاءتا وسط قمع أمنى أسوأ، كما نسوا أن شهداء الجيش والشرطة يدفعون أرواحهم وأجسادهم وأذرعهم وأرجلهم ثمنا للدفاع عن أرض الوطن كل يوم دون خوف من إرهاب أو تفجيرات أو برد أو حر، ولكنه الفارق بين الرجولة والجبن، بين المبدأ واللا مبدأ، بين الحق والباطل، ومعذرة على المقارنة أصلا!
أما الطريف حقا فهو أن الداعين إلى التظاهر لم يحترموا متظاهريهم أيضا، فلم نر أيا من قادة التيارات والأحزاب الداعين إلى التظاهر فى أى شارع ولا فى أى حارة، وكأنهم «فص ملح وذاب»، وبعضهم قال إنه «ها ينزل»، وفوجئنا به خارج القاهرة، أو خارج الخدمة، أو «أوفلاين»، والوحيد منهم الذى ظهر ونطق، وصف القاهرة بأنها «مدينة محتلة»!
لقد كان يوم 25 أبريل يوما فارقا بحق فى مسيرة الصراع بين الدولة واللادولة، بين القانون واللا قانون، بين الاحترام وعدم الاحترام، بين الشعب الحقيقي، والشعب «الآخر» المزيف الذى يحمل كارنيها «مضروبا» لاسم مصر!
وما فعلته المؤسسات الأمنية فى ذلك اليوم كان «عين العقل» ودرسا بليغا فى الحزم والحكمة نتمنى أن يستفيق على أثره فريق «الكتاكيت» الذين يحلمون على فيسبوك وتويتر وبعض المواقع والفضائيات بتكرار سيناريو 28 يناير 2011!
.. ونصيحة لهؤلاء : عندما تسمح أمريكا أو بريطانيا أو ألمانيا بمظاهرة لداعش أو القاعدة، أو بتنظيم مظاهرة بدون تصريح، أو بمظاهرة تدعو إلى إسقاط النظام، أو بمظاهرة معروف أنها ستتحول إلى فوضى و«ثورة»، أو بمظاهرة لمأجورين، «نبقى ساعتها نتكلم» عن الحريات والديمقراطية، ومن لا يقتنع، فليسأل عن مظاهرات «ربيع الديمقراطية» فى أمريكا منذ أسبوعين التى انتهت باعتقال 400!
.. وأعتقد أنه من حقنا أيضا كمصريين أن نحلم بهذه الدول، وهذه القوانين، وهذه الحرية، وهذه الديمقراطية، لا ديمقراطية الغوغاء، والجبناء، و«الكتاكيت»!