الأهرام
بهيج اسماعيل
زقزقـــة فى حدائــق الله!
مايعتبره البعض «مصادفة» يعتبره رجال الدين «قدرا» ومايعتبره الناس «حظا» يعتبره رجال الدين «مكتوبا» حتى تجرأ البعض فى مطلع الاسلام وتساءل مادام كل مايصيب الانسان «قدرا ومكتوبا» من عند الله فلماذا يحاسب المعتزلة الفرد فى الاخرة طالما انه لايملك من امره مهربا؟ وجاء المعتزلة ـ وهم فريق مجتهد فى الاسلام..
ووجدوا اجابة للسؤال .. قالوا إن الفعل يتكون من «طاقة» و«توجيه» لتلك الطاقة واما الطاقة فهى منحة من الله واما التوجيه فهو من الانسان .. إما خيرا او شرا وعلى ذلك يحاسب فى الاخرة وهكذا عاش الناس وامكنهم ايضا ان يفرقوا بين الخير والشر.. وبين الحلال والحرم.. وبين الحياة الدنيا والاخرة . ومع الزمن تداخلت «الحدود» حتى لم تعد حدودا فاصلة تماما.. فعلى سبيل المثال تداخل اليوم مفهوم «العمل» مع مفهوم «الرزق» واختاروا من الايات ما يخدم مصلحتهم فأنسوا إلى الاية الكريمة «ويرزقكم من حيث لاتعلمون» ونسوا الآية الأخرى «وقل اعملوا» واخذوا «وفى السماء رزقكم وماتوعدون» ونسوا «يحب الله اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه».. بل ان الشطط قد اخذ بعضهم الى إن يربط بين مفهوم «العمل» كجهد مبذول يستحق صاحبه اجرا.. وبين الحقبة الاشتراكية عليه والشيوعية.. حيث كان العمل حقاً.. «العمل شرف» .. العمل واجب فى مقابل ان «الرزق» هو المكتوب والذى لايستدعى جهدا.

وماذا عن«الرشوة» اذن ياسادة؟ الرشوة التى قال عنها الرسول الكريم القدوة الحية التى اضاءت ولاتزال تضيء وتهدى للطريق الم يقل فى الحديث الشريف «الراشى والمرتشى فى النار؟» لماذا اذن الرشوة متفشية بينكم تسرى كما النار فى الهشيم!

لقد سألت احدهم متهما بالرشوة علنا عائدا من دولة عربية ـ محملا بالمال ـ لماذا تأخذ رشوة، قال: إنه «سعى» وليس رشوة! ثم قال فى التفسير انه بذل جهدا حلالاً فى السعى للحصول على ذلك المال واستحق ان يكون ثمنا لجهد السعي! وفى مصر يتعاملون مع الرشوة ـ المتفشية الآن والتى هى بالفعل أس الفساد ـ على انها مبررة فهى تخليص حق من الدولة ومن الاثرياء..

وأفضل من السرقة علنا! والثري..لماذا يرتشى مستغلا سلطته او قوته او تهديده؟

يقول الثرى لنفسه وللغير «إنه تسيير أعمال» حيث الرشوة مشتركة واقصر طريق لتنفيذ المطلوب ..علاوة على ان «الشيطان شاطر» والمال اليوم هو الحياة عموما .. الصحة والرفاهية والاستعراض وجذب الجنس الآخر..والسفر فى ارجاء الدنيا .. إنه باختصار «مجمع الحريات فى حرية كبرى مسكرة».

ولكن الدين يقول «إن الاعمال بالنيات يا سادة. وعمليا .. بالذهاب الى المسجد او الكنيسة» .. والعمرة كل عام .. ثم الحج (السياحى )» الذى يعيد الواحد منهم طاهرا نقيا كما ولدته امه «علاوة على «الذبائح» التى يضحى بها للفقراء فى المناسبات! ماهذا؟ وماهذه الهوة العميقة بين التشريع والتطبيق؟ هل هو انفصام فى الشخصية ..ام ان الواقع يفرض فلسفته العملية؟ واذا كان الامر كذلك.. وانتظارا للعدل الالهى بعد الموت ــ فأين العدل الادرضى والمستمد ـ حسب الدستور ـ من عدل الدين؟ يعنى اين القانون ؟! اين مايعدل الميزان المائل؟

موجود.. القانون موجود ..ولكن التحايل عليه موجود ايضا ...وهو يملك ذكاءً مستمدا من خبرة حياتية طويلة وصلت الى تبرير القتل نفسه تحت مسمى «ولكم فى الحياة قصاص» دون اكمال الآية «.. يا أولو الألباب» واولو الألباب هنا هم اولو الامر واولو العدل .والذين هم القضاة! والقاضى يحكم من بنود امامه «ومن اوراق يدرسها جيدا .. ويأتى المحامى ليفند ويدافع ـ عمداـ عن المتهم باحثا عن ثغرة ما فى القانون .. أو مستعينا» به لتغيير الحقيقة كما يحدث مثلا فى تبرئة تاجر المخدرات ـ المنتشرة حاليا كسم قاتل ـ حيث يغير فى شكل او وزن المضبوطات فتسقط مصداقية المحضر والضبطية وينتهى الامر بخروج «القاتل البريء» ليعاود نشاطه رغم ان القانون كان قد وصل بأمثاله الى حكم الاعدام .لكنه لم ينفذ ابدا! علما بأنه قاتل عمدا للشباب ومنفذ لمنهج مدروس من العدو ، هل تنفيذ الاحكام الحاسمة ـ بما فيها الإعدام.

وهذا حلال شرعا تحت مسمى «المفسدون فى الارض» امر مطلوب حاليا !«كعبرة لمن يعتبرومن لايعتبر». وهل القانون فى حاجة الى سيف يعضده؟ تساؤلات «حلال» لعصفور اتيح له ان يحط على فرع شجرة فى حديقة قالوا له إنها «غناء» فإذا به يلتفت حوله ليفاجأ بأنه يزقزق دون ان يسمعه احد وان كل الطيور حوله اما صقورا أو غربانا وان ماحط فيه ليس حديقة كما يظن بل انها غابة مفتوحة لكل أنواع الطيور..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف