بوابة الشروق
محمد موسى
زجاجة ماء نار لكل متظاهر
انقسمت مصر أمس الأول إلى شرفاء وخونة، فى تتويج لمنهج الحوار الانتحارى الذى نمضى فيه بسرعة الصاروخ، منهج ترتاح إليه الأنظمة التى تتابعت على حكمنا، ويحترف الإعلام تزكيته بلهيب الجهل والتحريض على كل الجبهات.


فى محاولة لتلخيص الأحداث، دونت زميلة صحفية: فى عيد تحرير سيناء رفع المواطنون «الشرفاء» علم السعودية فى ميادين مصر، وهتفوا «صنافير سعودية».


تلخيص لا يقول كل شىء، لكن العبارة تخفى زلازل كامنة تحت السطح المصرى، توشك أن تهزنا لنفيق من الفوضى التى ننسجها بدأب منذ أعوام.


ظهرت الحكومة وكأنها تتخوف الحدث من قبل وقوعه، ونسخت طريقة ناصر 68 مع معارضيه، والسادات 77 مع المنتفضين، ومبارك 2011 مع الثوار. ظهرت دعاية إعلامية مكثفة تصف المعارضين بالخيانة، ثم حملة أمنية تستهدف المعروفين وتخيف المجهولين، ثم خلاصة إعلامية تروج لأن ما حدث كان فشلا ذريعا من جانب الإخوان وأذيالهم، ونشطاء السبوبة.


أمنيا طالت الحملة شباب الناشطين فى بيوتهم وعلى المقاهى، وفى دولة القانون فتشت الشرطة هواتف العابرين بمحيط طلعت حرب، وميدان المساحة بالدقى، وميدان الثقافة فى سوهاج، مثلا. واشتبكت مع الشباب بقنابل الغاز، واعتقلت 240 شخصا على الأقل، تم إحصاؤهم بالاسم.


فى اليوم السابق للتظاهر أكد الرئيس حسمه «فى مواجهة من يستهدف مؤسسات الدولة»، وفى المساء هبطت رشة ضيوف على برامج التوك شو، للحديث عن المؤامرة، وعن جريمة هز الاستقرار.


متصلة ببرنامج «على مسئوليتى» قالت: اشتريت مية نار، وهانزل أولع فى كل المتظاهرين. وكافأها المذيع بابتسامة واسعة، مباركا ما وصلناه من انقسام وميل للعنف، ودموية تختبئ تحت الهدوم.


موقع إندبندنت قال أمس إن «السيسى يتهم معارضيه والداعين للتظاهر بأنهم يعرضون الأمن الوطنى للخطر، بينما تتركز الشعارات المعلنة للمظاهرات على أسباب وطنية صرفة». وهذه حقيقة ينكرها الإعلام الموالى، فيضر بقضيته، ويسىء إلى وعود السيسى بأنه رئيس كل المصريين.


بالتزامن مع الحرب الإعلامية والأمنية، بدأ حشد المؤيدين فى ميادين منفصلة، فظهر الحزب المدلل فى ميدان عابدين، وانتشر الشرفاء ليرقصوا بالعلم السعودى، فى وصلة «مكايدة» للمعارضة والعزال. والذين وزعوا علم السعودية على الشرفاء فى عيد سيناء، بلغوا غاية المكابرة، والعناد الذى يورث الكفر وأشياء أخرى.


الذين نزلوا الشوارع مصريون شرفاء أيضا، لا يستضيفهم الإعلام الموالى، ولا يفتح لهم التليفونات على الهواء. شرفاء لا تعرفهم الأحزاب المنكفئة المهرولة، بل تصدر فى حقهم بيانات التخوين والتثبيط. مصريون لا يجدون من يمثلهم فى مجلس النواب، الذى أعلن وزيره المسئول عن موافقته على الاتفاق قبل تحديد موعد التصويت. اختفاء السياسة والأحزاب، وأحادية الإعلام، وانغلاق مجال العمل السياسى، أسباب تطرد الجميع إلى الشوارع، ففيم الشكوى؟.


بعد ذلك خرجت كل الأطراف من أحداث 25 أبريل تتغنى بانتصارها، وذلك وهم، فالهزيمة تهدد الوطن بأسره إذا استمر الأداء المحرض الدموى، على طريقة القرون الوسطى.


فى مقاله أمس بجريدة تيليجراف البريطانية، قال ويليام هيج وزير الخارجية البريطانى الأسبق إن الفوضى فى الشرق الاوسط مازالت فى بدايتها، وهناك أربعة عوامل ستؤججها، هى تزايد الكراهية الدينية، والانهيار الاقتصادى، وزيادة نسبة الشباب وصغار السن فى هذه المجتمعات، علاوة على ضعف الحكومات.


لدينا إذن كل المطلوب لإشعال الحرائق المقبلة، لكن الحكومة تصدق فقط ما يروجه إعلامها بأنها كانت مؤامرة وفشلت، بعدما طمأنت المذيعة أولياء أمرها بأنه «لا ثورة تانية ولا تالتة، مبروك».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف