الوطن
د. محمود خليل
السبيل (29)
هامَ كل واحد من الإخوة الثلاثة -فهمى ومختار وطارق- فى وادٍ، كل يسبح فى فلكه، ويبحث عن أرض يحط عليها. سأل فهمى نفسه، وهو يفكر فى حنيفة: لماذا لا أمارس الواقع فى البيت عندنا؟!. إن مختار وطارق هائمان على وجهيهما طوال النهار. أحدهما مع أمل والآخر فى زاويته. آه!.. ربما تكون الفكرة نفسها قد خطرت لمختار. أن يسحب أمل إلى هنا، وينصبها على هذا السرير، ويتمرغ فى أكل المستورد!. والله إن لم يفكر فى ذلك فإنه يكون غبياً شديد الغباء!.. إننى أكاد أجن على طبق فول، أما هو فبين يديه الكباب!. وكلانا يقتلنا الجوع والحرمان!. عموما أنا راض بالفول!.. ولكن متى آكله؟!. هذه المرة الفول سآكله على السرير نائماً وليس واقفاً كعهدى به!. ليس مهماً أن يكون عليه زيت أو ليمون!. المهم أن آكله. الجائع لا يفكر فى المشهيات!.

لقد مللت من مقابلة حنيفة. كل مرة نفس الكلام!. هى لا تقول شيئاً. تكتفى دائماً بالاستماع!.. والله لولا بعض الكلمات التى تخرج من فمها عفواً لظننت أنها خرساء. آه الخرساء!. ولكن لماذا هذا الخجل كله. شديدة الخجل وعظيمة الطاعة. هذا الخجل لا يبدو مطلقاً على أمل الجريئة القادرة المريدة التى اخترقت الصنم مختار فأذابته. آه! ويا له من ذوبان. هل نال هذا المغفل من رحيقها شيئاً؟!.. الإجابة فى بطن مختار!.

ولكن ما عند حنيفة ليس مسألة خجل بل خوف. إنها تطيع ومن يخاف يطيع!. حنيفة ضعيفة. كل حياتها ضعف. أبوها ضعف. أمها ضعف. المكان الذى تسكنه ضعف. ملابسها ضعف. ما تحت ملابسها ضعف. حياتها ضعف فى ضعف. أما أمل فلا!.. إنها لا تخاف لذا تتمرد، لأن حياتها قوة.. وجمالها قوة. غريبة!.. الجمال اليوم أصبح مرتبطاً بالثراء. قليلاً ما تجد فتاة فقيرة جميلة. والأمر مفهوم.. فمن يملك الاختيار والتنقية عند الزواج هو الشخص الذى يملك دفع فاتورة الحساب، وهو يختار دائماً الأجمل!.. والجمال غالٍ. ولكن الغالى ثمنه فيه!، لأن جمال الأم ترثه بناتها. أما الفقير فيأكل الفول على مائدة الطعام، والفول فى الكتاب، وأخيرا الفول فى السرير. فول فول.. أنا له!.

- فهمى: عدت يا مختار إلى ضلالك القديم. الكآبة والصمت. كيف حال الحب؟!.

- مختار (بأسى): حب!. قصدك الصداقة!.

- فهمى: صداقة أو حب لا تفرق، المهم كيف الحال؟.

- مختار: لقد خدعتنى. لماذا كانت تتحدث معى؟.. لماذا قضت معى الساعات الطويلة؟!.

- فهمى: وماذا أيضا؟!.. قل يا مختار!.

- مختار: وماذا يبقى بعد ذلك؟!.

- فهمى: ماذا يبقى بعد ذلك؟!.. يبقى المهم يا مختار؟!.

- مختار (بتأفف) قصدك.........!.. إنك نجس. أنا لا أفكر فى هذه الأمور!.

- فهمى: نجس!.. ولا تفكر فى هذه الأمور!.. حاضر يا أخ طاهر!. ولكن ماذا خسرت إذا كنت لا تفكر فى هذه الأمور، وتفكر فقط فى إنسانة تحاورها؟.. لماذا هذه الثورة؟! أمامك بنات السبيل. اختر من تصلح منهن وتحدث إليها!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف