جريدة روزاليوسف
أيمن عبد المجيد
مصر ورقعة الشطرنج «2»
فى ذلك المحيط العربى مترامى الأطراف، متلاطم الأمواج، تقبع رقعة الشطرنج التى يلعب عليها العالم الآن جيل جديد من الحروب بالوكالة، تستهدف إعاقة نهوض تلك الدول لتبقى ثرواتها نهباً للقوى المعادية، وشعوبها أسواقاً استهلاكية لتصريف منتجات الغرب، عبر آليات عدة فى مقدمتها تحويل الدول العربية إلى دويلات صغيرة قائمة على أسس طائفية وعرقية وقبلية، تارة بحق تقرير المصير وتارة أخرى بزعم الحكم الفيدرالى، تستهلك السلاح فى تناحرها قبل أن تستهلك منتجات صناعية أخرى. ومن بين أهداف الدول المعادية أن تظل أقوى الدويلات العربية، عاجزة عن التصدى لأطماع ومخططات تلك القطعة الخطرة التى وضعها الغرب على رقعة الشطرنج، الكيان الصهيونى المسمى إسرائيل، بل تحريك القطع الأخرى لخدمة تأمينه وحمايته. لم تكن تفاعلات الربيع العربى، إلا نتاج معادلة نجح المتربصون بأمتنا العربية فى توقعها، فى ظل دراسة دقيقة لبيئة التفاعل، ومحاولات تحكم فى درجات حرارتها، ساهم حكامنا السابقون بأخطائهم الفادحة فى خلق البيئة الحاضنة لها، عبر التمسك بكراسى الحكم دون تغيير حتى الشيخوخة، ففى ليبيا جلس القذافى على كرسيه 42 عامًا، من العام 1969 وحتى 2011، فيما جلس على عبدالله صالح على كرسى الحكم في اليمن 33 عامًا، ومبارك فى مصر 30 عامًا، وزين العابدين بن على 24عامًا. وما زاد تأزم الأوضاع، فشل الحكام فى نقل السلطة بأساليب ديمقراطية، بل تفشت ظاهرة محاولة توريث الحكم، وتفاقم البطالة وتكرار تزوير الانتخابات، وسوء توزيع الثروة بغياب العدالة الاجتماعية، وانهيار المنظومة الثقافية، الأمر الذى خلق بيئة سانحة للتزمر والثورة، فالجيل الجديد يتعرض لمؤثرات عبر وسائل الاتصال الحديثة، ويعانى أزمات فشل الأنظمة، وهنا كانت القوى الكبرى فى الغرب، ترقب وتجرى اتصالات مزدوجة بين أنظمة الحكم والتيار الدينى المنظم فى ظل ضعف القوى المدنية، وتواصل تخليق بيئة التفاعل لتحريك الأحداث لوجهات أخرى تضمن تحقيق أهدافها. ففى ليبيا تدخل حلف الناتو فى المعادلة لحسم الأمر بإسقاط القذافى، وإلقاء أطنان الأسلحة للقبائل تمهيدًا للقتال المرتقب، بينما لم يتدخل الحلف ذاته فى سوريا لحسم الصراع، لعدة حسابات تتعلق بتحالفات النظام السورى مع روسيا وإيران، وقبل ذلك لتحقيق هدف أبعد هو استمرار القتال فى سوريا دون حسم لتحقيق هدف تدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية للدولة، استنزاف القوة العسكرية للنظام بانشقاقها وخلق شروخ فى النسيج المجتعى، وخصومات ثأرية لا يمكن لها أن تلتئم قبل ثلاثة أجيال على الأقل، واطالة أمد الحرب تسهم فى تهجير ملايين السوريين خارج وطنهم، ومن ثم يوفق نخبتهم أوضاعهم ويصعب عودتهم لدولة مدمرة، وكل ذلك يصب فى صالح الأفعى الصهيونية، التى ستظل جبهتها السورية آمنة لعشرات السنين، التى ستمر قبل أن تستعيد سوريا قوتها وتداوى جراحها. والأمن القومى المصرى، لا ينفصل عن الأمن القومى السورى، فهناك فى ساحل الشام تبدأ دفاعاتنا، ففى أى صراع محتمل مع إسرائيل تمثل جبهة سوريا عاملاً مهم فى توزيع القوة المعادية على جبهتين، ولعل تدمير سوريا بدا أثره واضحًا، بعقد حكومة إسرائيل اجتماعها للمرة الأولى فى تاريخها بهضبة الجولان الأسبوع الماضى، وسط تصريحات رئيس وزراء الكيان نتنياهو بأن الجولان لهم للأبد. تجرؤ إسرائيل فى الجولان المحتل، ردت عليه مصر بقوة حيث قال المستشار أحمد أبوزيد المتحدث باسم الخارجية المصرية إن وزارة الخارجية المصرية تؤكد أن تصريحات نتنياهو تمثل انتهاكًا لمبادئ القانون الدولى والشرعية الدولية المتمثلة فى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، مشددًا على أن الجولان جزء لا يتجزأ من الأراضى السورية التى تم احتلالها من قبل إسرائيل إبان حرب يونيو 1967. وفى ليبيا والعراق صنعت داعش، والميلشيات المتصارعة، لتحريكها على قطعة الشطرنج، للأبقاء على الدول فاشلة، تمهيدًا لتقسيمها على أسس طائفية بزعم تحويل الحكم إلى حكم فيدرالى، لكنها فيدرالية العرقية والطائفية، التى تنتهى بكل دولة لكيتونات مغلقة متصارعة، تستبدل ثرواتها بأسلحة تصدرها الدول الكبرى التى تدير الحرب بالوكالة على رقعتنا العربية.. للحديث بقيه أن شاء الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف