محمد يوسف العزيزى
هل يملك البرلمان شجاعة اتخاذ القرار؟
قضية جزر ثيران اختبار صعب ودقيق علي البرلمان اجتيازه بنجاح ، فالقضية ليست تشريع يصدر في قانون يحمل وجهات نظر النواب أو يراعي موائمات حزبية أو ائتلافية أو يدخل في تربيطات ومكايدات سياسية أو ينحرف باتجاه تصفية حسابات شخصية .. ! إنما هو قرار يتحمل المجلس تبعاته الحاضرة والمستقبلية ، قرار يتعلق بأخطر قضية تمر فيها مصر منذ أمد بعيد وبالقطع ستترك في نفوس المصريين جروحا لن تندمل في الوقت المنظور عندما نتكلم عن العاطفة المصرية والتاريخ الإنساني المصري ، والحضارة التي قامت علي التشبث بالأرض لفظا ومعني!
البرلمان سيأخذ قرارا في اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي أوقعت جزر ثيران في المياه الإقليمية السعودية حسب بيان مجلس الوزراء ، وأيا ما كانت الوثائق وكتب التاريخ والخرائط والقانون الدولي وقوانين البحار وشهادات الأحياء من العلماء والباحثين والمفكرين بين تبعية الجزر إلي مصر أو السعودية ، فإن المهمة التي يحملها البرلمان عظيمة وصعبة ، والصعوبة ليس في البحث والتدقيق والتمحيص فقط .. لكنها في تداعيات القرار سواء بالموافقة علي الاتفاقية أو برفضها .. في الحالتين سيكون هناك رفض واعتراض وجدل للقرار حسب قبوله لكل طرف من الأطراف!
البرلمان أمامه 4 خيارات إما الموافقة ، وإما الرفض ، وإما طلب إجراء استفتاء ، وإما الذهاب إلي التحكيم ، وبغض النظر عن تفسيرات المفسرين واجتهادات القانونيين الدستوريين في تفسير المادة 151 من الدستور ، وبغض النظر عن تفسير مفاهيم الملكية والسيادة والإدارة والاحتلال باتفاق الطرفين .. وكل هذا الكلام .. فإن هناك رأي عام ضاغط يشكل معضلة في اتخاذ القرار الصحيح وليس القرار المناسب.
لذلك علي البرلمان أن يدعو إلي تشكيل لجنة قومية كبري من كل المتخصصين المخضرمين في الجمعية الجغرافية والجمعية التاريخية ، والقانون الدولي ، وخبراء تعيين الحدود البحرية ، والاستعانة بكل من له خبرة وقدرة علي المساعدة في اتخاذ القرار الصحيح ، وعندما يطمئن نواب البرلمان إلي الحقيقة المجردة ، وقبل اتخاذ القرار النهائي لابد وأن يقف البرلمان علي حقيقة ما يجري بالمنطقة من تغييرات وتغيرات في سياسات بعض دول الجوار ، ولا بد من أن يطلع علي التحالفات الإستراتيجية التي حدثت بين بعض الدول في المنطقة ، وما قد يحدث مجددا ، ولابد أن يدرس اتفاقية التحالف الإستراتيجي بين تركيا وإسرائيل وتداعيات ذلك علي الأمن القومي المصري ، ويدرس جيدا موقف السعودية باعتبارها ستصبح دولة مواجهة مع إسرائيل ، ولابد أن يقف البرلمان وبوضوح من ترتيبات الأمن القومي المصري في البحر الأحمر ، ولابد أن ينتبه نواب البرلمان إلي الملامح التي تبدو في الأفق من تشكيل محور يواجه إيران وأطماعها في المنطقة يتكون من تركيا وإسرائيل والسعودية وبعض دول الخليج ومحاولات لضم مصر إليه ، ولابد أن يتأكد البرلمان وهو يأخذ القرار سواء بالقبول أو بالرفض من تداعيات الأمر علي الوطن بكل ما فيه ، وأن يضع في اعتباره الرأي العام الذي يهتم اهتماما غير عاديا بالأمر .
ليس مطلوبا أن يتسرع البرلمان في اتخاذ القرار والتصديق علي الاتفاقية أو رفضها .. المطلوب هو التأني واتخاذ كافة وسائل الحيطة والحذر واضعا في اعتباره ومرسخا في عقيدته المصلحة العليا للوطن .. المنطقة مقبلة علي جملة من الصراعات لا يعلم أحد غير الله منتهاها ، ومقبلة علي شكل جديد ربما جاء تعديلا للمؤامرة التي فشلت بسبب مصر و30 يونيو فكان من الضروري تعديل المسار بطريقة أخري يكون فيها لإسرائيل دورا كانت تبحث عنه من زمن طويل!
الكرة في ملعب البرلمان يمكن أن يسدد بها هدفا لمصر يعزز دورها العربي والإقليمي والدولي ، ويمكن أن يسدد هدفا في مرماها فيخرجها من اللعبة كلها!
فهل يملك البرلمان شجاعة اتخاذ القرار الصحيح ! والله من وراء القصد.