لا أصدق أن الخلاف الأمريكي – الخليجي قد بلغ منطقة الخطر وأن أمريكا قررت أن تستبدل حلفائها ، ولكن الحقيقة أن واشنطن قررت أن تلاعب حلفائها بورقة طهران .. فإما الانصياع الى املاءات تل أبيب الاقليمية وترتيبات البيت الاسرائيلي ، وإما أن نأتى بطهران لترتيب البيت الخليجي .. تلك هى المقايضة التى قرأتها قبل ساعات من وصول الطائرة الرئاسية الأمريكية الى الرياض .. فالإعلان الاسرائيلي عن ضم الجولان ، ثم التصعيد الأمريكي الشعبي والإعلامي غير مسبوق ضد السعودية مع وصول أوباما الرياض ، يظهر المدى الذى يمكن أن تبلغه البلطجة الأمريكية – الاسرائيلية لتنفيذ أهدافها.
والقراءة العكسية السريعة تكشف بدقة متناهية أن موجة التحريض والتصعيد الأمريكية – الاسرائيلية ، جاءت كرد فعل عصبي اثر الاعلان عن الترتيبات المصرية السعودية في ملف الحدود البحرية ، والدعم السعودى الصريح والواضح لمصر اقتصاديا وسياسياً.
وإذا كان الأمر مع السعودية قد اتخذ مسار التحريض ، فإن الأمر مع مصر اتخذ مسار التنفيذ بإعلان الادارة الأمريكية أن "الجماعة" ليست إرهابية .
لكن الأمر لا يرتبط بالشأن المصري فقط ، كما قد يبدو الأمر للوهلة الأولى ، فالترتيبات الاقليمية أعقد من ذلك بكثير وتمتد الى أزمة الملف السوري التى شهدت تطورات متلاحقة ، فانتصارات الجيش السوري في تدمر ، تظهر أن الميدان محسوماً في الحلقات التالية ، ليصعد كشريك أحادي وحتمي في أيّ مشروع جدّي للحرب على الإرهاب.
وفي المقابل ستكون المعارضة جسماً هزيلاً مكشوفاً بلا وجود ، وستخرج تركيا وجبهة النصرة نهائياً من الجغرافيا السورية ، وسيكون مصير وجود "النصرة" على حدود الجولان وما تبقى من جنوب سورية ، مسألة وقت ، لتجد "إسرائيل" أنها عارية من أيّ غطاء وبلا رهانات .. فخطة "إسرائيل" الأصلية في الجولان قامت على السعي لإقامة حزام أمني تتولاه "جبهة النصرة" ، وهو ما أعلنت عنه "إسرائيل" مراراً بصورة رسمية ، وخطة تركيا لسورية كانت دائماً دمج "جبهة النصرة" بالعملية السياسية .. لكن اعلان "جبهة النصرة" عن نيّتها الانسحاب من محادثات جنيف ، ثم عن نيّة فصائلها المسلحة الانسحاب من أحكام الهدنة يعيد الصراع مجدداً الى الحل العسكري .. ويعنى بكل صرامة أن مشروع توسعة الحدود الاسرائيلية قد فشل في سيناء والجولان ، وأن أدوات التنفيذ لدى فروع التنظيم الدولى للجماعة ممثلة في "جبهة النصرة" وعشرات التنظيمات والكيانات في سيناء قد أوشكت على النهاية ، لذا لم يعد هناك مفر من التدخل الأمريكي المباشر للضغط على العواصم الخليجية لإنهاء دعمها لمصر ، وتوجيه الدعم مباشرة الى "جبهة النصرة" لاسترداد زمام المبادرة مرة أخرى ، أو على أدنى تقدير ترسيخ الحزام الأمنى لإسرائيل في منطقة الجولان الى حين الانتهاء تماما من تهويدها وضمها الى أرض اسرائيل الكبري .. وهذا يتطلب إلهاء مصر في أزماتها الداخلية بتصعيد الاحتجاجات والتظاهرات ، والضغط على الخرطوم لإثارة المطالبات الحدودية مع مصر ، وزيادة وتيرة التفجيرات والاغتيالات في سيناء ، وتصعيد الاحتقان النقدى الى أقصى درجاته بصورة مفاجئة قبل ساعات من زيارة كيري وطرح الثقة في الحكومة أمام البرلمان.
تجميع قصاصات المشهد الاقليمي قد يفسر لنا في أحيان كثيرة مسارات المشهد الداخلي المعقدة .. وما قد يبدو أنه دون رابط يجمعه في الداخل ، أو أنه رد فعل مصري وطنى خالص ، قد يسقط للوهلة الأولى عندما يجتمع أطيافه بالرئيس الفرنسي مطالبين بإسقاط النظام !!.. فترتيب البيت الاسرائيلي علينا حق!!.