حسين مرسى
عك الثورة .. وثورة العك !!
ولأننا في مصر فلابد أن يكو لدينا كل شئ وعكسه في نفس اللحظة ونفس الوقت ومن نفس الأشخاص ونفس الوجوه حتى تكاد تشعر أنك في سيرك أو في مستشفى المجانين وأنك أحد هؤلاء المشاركين في العبث والجنون..
ولأننا في مصر فقد خرج علينا من يدعون أنهم النخبة المثقفة التي تدعي أنها قادرة على إدارة الوعي الشعبي وتوجيهه حيثما ترى هي لا حيثما يريد هو .. وللأسف فقد اكتوى الشعب بنار النخبة مرارا وتكرارا حتى أصبح شعار المرحلة هو " أزمتنا في نخبتنا " حتى أطلق البعض على مدعي النخبوية لفظ النكبة بدلا من النخبة..
تلك النخبة منها من يسعى للوصول لكرسي الحكم مهما كان الثمن .. منهم من ترشح للرئاسة وفشل فشلا ذريعا وكان سقوطه مدويا في انتخابات شهد الجميع بنزاهتها .. ولكن سقوطهم المروع لم يقنعهم بأن الشعب قد مل منهم ومن كذبهم وأصبح يرفضهم رفضا باتا قاطعا .. فأصروا على افتعال الأزمات الواحدة تلو الأخرى ولايهم لو كانت ضد مصالح الوطن فالطريق إلى الكرسي لايقف أمامه وطن ولا تعوقه شعارات الوطنية التي يجيدون هم ترديدها في حين أنهم لايقتنعون بها من قريب أو من بعيد !!
البعض منهم كان من ضمن حملة الرئيس في الانتخابات الرئاسية وكان يسعى هو الآخر للحصول على جزء من الغنيمة في حال فوز الرئيس فيجلس على كرسي الوزارة .. وعندما وجد نفسه خارج التشكيل الوزاري بدأ في تغيير جلده من جديد و ارتداء ثوب المعارضة بحجة الموضوعية والوطنية والشفافية إلى آخر هذه الشعارات التي سئم منها الشعب .. تحول المؤيدون إلى معارضين لايرون في الأفق بادرة أمل ولا بصيص نور .. وحولوا حياة الجميع إلى السواد خاصة مع تراجع الوضع الاقتصادي نتيجة أزمات مفتعلة لإسقاط مصر و اقتصادها حتى يتحقق حلمهم بالوصول لكرسي الوزراة أو تسقط مصر..
استمر الهجوم على الرئيس وعلى الحكومة التي غالبا ما تكون ضعيفة وعاجزة عن الرد بل مرتعشة الأيادي في مواجهة من يحرقون أوطانهم بأيديهم..
استمر الهجوم بدءا من قصة الإيطالي ريجيني الذي أراد البعض أن يجعل منه أيقونة جديدة لثورة جديدة مدعومة من الخارج .. حتى وصلنا لقصة الجزيرتين الأشهر في تاريخ مصر الحديث – تيران وصنافير – وأتحدى أن يكون أحد على علم بوجودهما داخل الحدود المصرية أصلا قبل أن يتم تفجير القنبلة الخاصة بإعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية ليكتشف الجميع أن الجزيرتين سعوديتين وليستا مصريتين فبدأ التجهيز لموقعة جديدة في الهجوم على مصر والنظام الحاكم الذي باع أرض مصر وتنازل عنها بكل سهولة للجانب السعودي..
تحول الجميع فجأة – كعادتنا دائما – إلى خبراء في ترسيم الحدود البحرية وأصبح الكل يفتي ويحدد ويقنن .. وتحولت الفضائيات إلى ساحة للجدال والنقاش والتسخين ضد الرئيس الذي باع أرضه !!
وبعيدا عن أن الأرض مصرية أو سعودية فقد انتهى الأمر بمحاولات للتظاهر من فصائل معينة معروفة للجميع بانتماءاتها السياسية وبرفضها الدائم والمستمر لكل ما يصدر عن الرئاسة المصرية ومحاولة تشويه أي قرار أو تصرف يصدر من الرئيس .. فخرج البعض للتظاهر ضد عودة الجزيرتين للسعودية..
وبعيدا عن قانونية التظاهر من عدمه .. وبعيدا عن رفض المتظاهرين أصلا لقانون التظاهر .. ورغم أن الأعداد لم تكن تمثل خطرا كبيرا ولا مقياسا للرأي العام المصري لأن من خرجوا هم أصحاب التوجهات الثورية على طول الخط من أنصار الثورة مستمرة حتى آخر مصري وحتى حرق آخر شبر من أرض مصر .. إلا أن الظاهرة التي كانت هي الأكثر ظهورا هي اتفاق الأضداد جميعا ضد مصر .. فالإخوان الذين رفضوا وضع يدهم في يد اليسار الكافر كانوا يصفقون لهم ويؤيدونهم .. وكان اليسار الذي يرى أن الإخوان فصيل سياسي إرهابي يعتمد على الدين لخداع المصريين بهدف الوصول للحكم يؤيد خروج الإخوان للتظاهر ضد الرئيس..
ولم تنته المعضلة السياسية عند هذا الحد فوجدنا أبناء مبارك الذين خرجوا ليؤيدوا السيسي قد تعاهدوا مع النشطاء والثوار الذين طالما سبوهم ووصفوهم بأفظع الأوصاف كالخيانة والعمالة .. وهكذا الحال بالنسبة للنشطاء عندما أيدوا أبناء مبارك الذي خرجوا بالأمس ليهتفوا بسقوطه ويطالبوا برحيله .. وهكذا الحال مع الناصريين والإخوان والشيوعيين والإسلاميين ومحبي الفريق شفيق وكارهي الفريق شفيق أيضا .. الكل أصبح يهيم حبا في الآخر بعد أن كان العداء هو الصفة المشتركة بين الجميع.
البعض قد يقول إن ما حدث وحد الصفوف بعد أن فرقتها السياسة والمصالح والانتخابات .. ولكن للأسف ليس هذا توحدا بل استغلالا من البعض للبعض الآخر حتى تمر المرحلة ثم ينقض كل منهم على الآخر ولنتذكر جميعا منظر النشطاء في ميدان التحرير في 25 يناير وهم يجلسون إلى الإخوان والسلفيين ويتبادلون الحب والود في حين أن كل هذا الحب والود انقلب لعداوة شديدة وكراهية كانت مدفونة لوقت الحاجة إليها حتى يتم التخلص من الغريم والمنافس بعد أن تنقضي الحاجة إليه !!
هذا هو واقع الحال في مصر .. فلم تكن تظاهرات تيران وصنافير موحدة للفرقاء بل كانت فاضحة للكذب والخلاف السياسي والوصولية والنفعية فالكل يستغل الكل لتحقيق هدفه الذي تأكد أنه لن يحققه بمفرده أو حتى بمساعدة فصيله الضعيف الواهي .. فقرر أن يخدع ويناور حتى يصل لهدفه أولا وبعدها يحلها الحلال !!
أما النخبة المدعية التي كانت تحرك هؤلاء فهي كما قلنا لاتملك ظهيرا شعبيا لأنها في واد والشعب في واد .. فالشعب ليس مجرد عشرات أو مئات أو حتى آلاف خرجوا للتظاهر وإعادة أجواء الثورة التي عشقوها بدلا من الوطن فأصبحت منهجهم في الحياة وعقيدتهم التي يموتون دونها!!
وبمناسبة التظاهرات ما رأيكم فيما فعله الأهالي في منطقة عابدين عندما اعتدوا على المتظاهرين أثناء محاولاتهم الهرب من الشرطة وضربهم وإلقاء الكراسي أمامهم حتى يسقطوا لتتمكن الشرطة من القبض عليهم وهو ما جاء في تغريداتهم التي كانوا يستغيثون فيها من اعتداءات الأهالي عليهم..
خلاصة القول أن مصر تعيش الآن أجواء العك الثوري الذي يريد أن يصل بمصر إلى ثورة العك .. الكل يريد مصلحته وينسى الوطن الذي لو ضاع فلن يعود أبدا..