الصباح
محمود صالح
Think tanks .. يا سيادة الرئيس !
منذ توليه الرئاسة وأنا أسمع كثيرا من مقربين من المطبخ الرئاسى أن السيسى يبحث دائما عن وجوه جديدة تتميز بالكفاءة والتجرد كى يكون لها دور فى المرحلة العصيبة التى تمر بها البلاد، وتوقعت أن ينتج عن هذا البحث ظهور شخصيات مختلفة تستطيع أن تفهم بديهية أن طريقة أدت لمشاكل معقدة.. سيؤدى العمل بها من جديد لتفاقم نفس الأزمات بصورة أكثر تعقيدا !
لم يحدث على مدارأكثر من عام ونصف من تولى الرئيس الحكم أن رأينا فى المناصب التنفيذية وفى الوزارات أو فى الإعلام سوى نماذج تكرر ما فعله الأولون وتؤمن بأن التقليد والرتابة ومخاصمة العلم والحفاظ على تراث الدولة الخالد وإيقاعها المتوارث منذ قرنين على الأقل هو الحل
هكذا رأينا الوزراء .. مجرد جيل ثالث من موظفى وزراء دولة مبارك، وفى حين تتبدى الصورة فى الإعلام أكثر رداءة بكثير، نجد أن طبقة السياسيين مؤيدين ومعارضين هم فى الحقيقة نماذج بالية جدا تسير على خطى ثابتة فى العشوائية ولا تستطيع أن تقدم شيئا له معنى فى أى إتجاه
الرئيس كما تبدى من خلال العام والنصف يريد أن يقدم نموذجا جديدا تماما فى ممارسة مهامه الرئاسية،و إلى أن يتضح للناس كيف يريد السيسى أن يحكم مصر، فى ظل الإشارات المتضاربة فى إتجاهات شتى،، إلى أن يتضح الإتجاه أرى أن الإتجاه لن يتضح أصلا فى ظل عدم وجود ما أطلق عليه أمين هويدى وزير الحربية الأسبق « الخطة العظيمة «
كان هويدى يتحدث فى مذكراته عن الأسباب التى أدت لإخفاق القيادة فى إدارة السياسة فى هزيمة 67 وفى نصر 73 على السواء، وقال بإختصار أن الإدارة المصرية لم تضع خطة واحدة كبرى تحدد علاقات الدولة بغيرها من الدول، وماذا نريد بالضبط، ومن من الرجال والخبرات يمكنه أن ينفذ هذا فى توقيتات محددة صارمة، وتحدث كيف أن الإسرائيليين تمكنوا من هزيمة مصر عسكريا فى النكسه ومحاصرتها سياسيا « بعد نصر الأيام الأولى فى أكتوبر 73 « لأنهم يعرفون ما يريدون وفق إستراتيجية عليا للكيان الصهيونى تفرز تلقائيا القادرون على تنفيذها من بين القادة والسياسيين والإعلاميين وأجهزة الأمن العلنية والسرية
فى حالة الرئيس السيسى نعرف أن مجلسا إستشاريا تكون فى أول حكمه لكننا لا نعرف ماذا فعل الخبير الإقتصادى محمد العريان ولماذا جاء ولماذا ذهب، ولا نعرف هل وضع خططا لها علاقة بأجهزة الدولة التنفيذية أم لا، وقد إستمرت هذه الحالة حتى الأسبوع الماضى فقط، فعلى سبيل المحاولة فى وجود إستشاريين للرئيس يضعوا معه تصورات لعمل الدولة فوجئنا بعمرو موسى يخرج من جديد من أقبية التاريخ ليعمل مستشارا سياسيا لرئيس الجمهورية.. لماذا موسى وهل هو من رجال صناعة المستقبل أم من بقايا ماضى نعرفه جميعا.. لا أحد يعرف
الذى أعرفه أنا جيدا أن كتابا صدر منذ أيام عنوانه « مخازن الأفكار « يروى التجربة الفرنسية فى وجود ما يعرف بالـ» think tanks» وهو تعبير يعنى « بيوت التفكير «.. وكيف إعتمدت فرنسا مثل كل دول العالم على جماعات من أعظم عقولها فى شتى المجالات فى وضع إستراتيجية للدولة وتحديد مصادر قوتها وطرق مجابهتها للأخطار وللأعداء وتعظيم وجودها على الساحة الدولية
والذى أعرفه أنه قبل ظهور هذا المصطلح بسنوات طويلة جدا كتب المؤرخ المصرى الفذ شفيق غربال كتابا عن تكوين مصر تحدث فيه أن مصر لم تنهض ولم تتحرك خطوة إلا فى وجود ما أسماه « القلة الخالقة «.. مجموعات الموهوبين والافذاذ والمؤمنين بالعلم والمسكونين بالرغبة فى التغيير الجذرى الحاسم
الغريب أنه حتى كتابة هذه السطور لا زلت أسمع أن الرئيس يبحث عن اشخاص جدد قادرين على الإنجاز فقد قطع على المقال مصدر إتصل بى ليكرر على نفس المقولة التى أسمعها منذ عام ونصف، الأمر الذى إضطرنى أن أقول للمصدر غاضبا « بسبب كراهيتى للكلام المكرر وللسياسات المكررة «.. يمكننى أن أقول لك أن هناك قائمة بألف شخص على الأقل يمتلكون الموهبة والكفاءة والقدرة على التغيير الحقيقى لكن الدولة تنصت لأبناءها القدامى.. الكسولين المطيعين.. الذين يبتسمون للغد وهم من عبيد الأمس.. خذ عندك.. هل تعرف مثلا معتز بالله عثمان.. الحقوقى المصرى الوطنى الذى عمل عشرين عاما من أجل حقوق الإنسان دون أن يدخل جيبه مليم حرام.. هل تعرف أن مروان يونس السياسى الشاب عكف على كتابة 4 الاف صفحة من أجل خلق فكرة قابلة للتنفيذ فى مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطه.. هل أتيحت فرصة جادة لشريف حمودة السياسى النابغة الداهية المصرى الخلوق المنجز، هل يمكن أن تسمعوا كلام حاتم صادق فى مجال الهندسة وفصل الخدمة المدنية عن الداخلية وكيفية خلق « حالة علمية « فى تنفيذ أى مشروع، هل يمكن أن تنصتوا بعمق لخبرات سامح مجدى فى خلق إعلام دولة عصرى لا علاقه له بالجهالات السائدة، هؤلاء جزء من جيل جديد حقا لا يجد منفذا فى غابة كثيفة تتراءئ فيها ديناصورات مترنحة من عصور مضت لم تجلب لمصر سوى التخلف.. لكنها مصرة على الإمساك بكل المقاليد
ما لم أقله للمصدر أن السيسى لو لم يتوقف قليلا.. ويضع لمصر خطة جديدة إعتمادا على نخبة جديدة فستصبح أزمات ريجينى وسد النهضة والدولار والجزر والضباب السياسى مجرد أزمات هينة مقارنه بما هو قادم.. فبإسم الله ما شاء الله.. هؤلاء الذين ينافحون عن الدولة ويدعون إلى الصمت ولا يعرفون أن السياسة هى فن إدارة الإختلاف قادرون على منح مصر أزمات أكثر إبداعا من هذه.. هؤلاء الموجودين على الساحة مبدعون حقا فى الفشل.. ولا بديل عن التغيير الكبير والحاسم.. think tanks» « يا سيادة الرئيس !

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف