أحمد عبد التواب
لقطات مما حدث في 25 أبريل
قبل الدخول في الموضوع، ينبغي الإدانة بأوضح العبارات وأشدها رفع العلم السعودي في تظاهرة 25 أبريل من جانب بعض مؤيدي الرئيس السيسي والداعمين لقراره بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة السعودية، كما ينبغي المطالبة بالعمل على إخضاع من رفع هذا العلم للمساءلة والعقاب. ويبدو أن هذه المسألة صار من الضروري شجبها، برغم هامشيتها في الحدث وبرغم أن من قاموا بها مجرد أفراد شكلوا لقطة في الواقعة ولكنها لم ترقَ إلى أن تكون ظاهرة. وفي كل الأحوال فأنه يجب أن لا تأخذنا هذه النقطة عن أن نجتهد في فهم حقيقة ما حدث يومها، ولماذا.
ثم ندخل في الموضوع، ونقرّ بما يجب الإقرار به في الأساسيات، وهو أن الداعين للتظاهرة فشلوا في جذب الجماهير التي كان حضورها الكبير أهم معيار للنجاح. دون هذا الإقرار لن يكون هناك اعتراف بالخطأ، وبالتالي تتبدد فرصة المعالجة والتطوير. وهي مسألة تحظى باهتمام كبير في الدول الديمقراطية التي يعترف فيها الحزب الخاسر في الانتخابات العامة بأخطائه في المعركة، ويعكف على دراسة الأسباب، وقد يعلن النتائج صراحة على جماهير الناخبين أو قد تتجلى خلاصة موقفه في إجراءات علنية يطيح فيها بقادة الحزب أو بالمسئولين عن إدارة الانتخابات..إلخ.
وأما أولى المفارقات في واقعة 25 أبريل أن الداعين للتظاهرة وقعوا في نفس الأخطاء التي أخذوها على الرئيس السيسي في موضوع الجزيرتين، والتي منها أنه لم يستشر الشعب في الموضوع، وإنما فكر مع أطراف أخرى، وعقدوا اجتماعات حول كافة التفاصيل، ثم فاجأ الشعب بقراره عن التنازل! وهم على حق في رفضهم هذه المنهجية!
ولكنهم طبقوها بالحرف مع الجماهير، الذين أخطروهم بموعد التظاهرة وبالموقف الذي ينبغي أن يتحلق الناس حوله وأن يصطفوا خلفهم، دون أن يعرضوا تفاصيل الأمر عليهم! برغم أنهم على دراية بأن أجهزة الإعلام الرسمية تكاد تكون متفرغة لإقناع الجماهير بالموقف الرسمي المغاير، بما كان يُفتَرَض معه، وعلى سبيل إحداث قدر من التوازن، أن يزيدوا من ضرورة الالتحام بالناس وشرح رأيهم في القضية وأسبابه وحججه والرد على الموقف الرسمي، وحث الناس على اتخاذ الموقف المنشود. إلا أنهم لم يفعلوا شيئاً من هذا واعتبروا أن احتشاد الناس على ندائهم في الموعد الذي انفردوا بتحديده أمر حتمي لا يحتمل رأياً آخر. تماماً كما فعل السيسى.
وأما القول بأن إرهاب الشرطة منذ ما قبل 25 أبريل والقبض على بعض قيادات التظاهرة هو الذي أرعب الناس ومنعهم من الحضور، فكل ما فعلوه مدان وبأشد العبارات، ولكنه مردود عليه بأن أجهزة الأمن قبل 25 يناير 2011، وبعدها، فعلوا ما هو أقصى وأشد، ولم يمتنع الملايين من الخروج والإصرار على المواجهة حتى سقط مبارك.
وهناك نقطة أخرى لا يوليها معظم الداعين للتظاهرات أهمية تليق بها، في هذه المرة وفي أغلب المرات السابقة، وهي الشعارات التي سوف تُرفَع والتى يجب أن تُعبِّر عن الموقف بأقل الكلمات وبأكثرها تأثيراً في الناس.
كان يمكن من قضية الجزيرتين استخلاص شعارات كثيرة تجمع حولها أعداداً من المؤيدين، ولكن لسبب ما أصر دعاة التظاهرة على الخروج من الخاص المستجد المحدد إلى العام القديم، حتى مما لم يحققوا منه مكاسب لتيارهم منذ الإطاحة بحكم الإخوان، وهو شعار يسقط حكم العسكر. طيب، هذا رأيكم، عرفنا، فهمنا. ولكن يظل السؤال الإجباري قائماً: وماذا يحيا؟ كهتاف مقابل ليسقط كذا!
لأن خطوتك التالية التي تُبشِّر بها، لن تقوم وتتأسس على ما سوف يسقط، وإنما على ما سوف يحيا.
وهي مسألة لا يجوز القفز من فوقها واعتبارها واضحة بذاتها، لأنها في حاجة إلى مجهود كبير لإقناع الناس بها. ولأن هناك حقيقة ناصعة وهي أن الجيش أنقد مصر من مصير بعض دول الجوار، ولا ينتقص من هذه الحقيقة أن البعض لا يراها، ولا أن آخرين يرون أنه ما دام أنهم سئموا من تكرارها فإنها سقطت، وأنه صار من غير الجائز القول بها مجدداً وإلا صار القائل عبداً للبيادة!
في حين أن الوعي العام يعرف هذه الحقيقة ويعيشها ويدفع ضريبتها ويكرر القول بها، ليس في مناسبة تصلح لمجاملة الرئيس والجيش، وإنما في جنازات شهداء الجيش والشرطة من أبنائهم. ولكن المتظاهرين هتفوا بسقوط الجيش في 25 أبريل، ثم توقعوا أن يزحف الناس خلفهم!
والنقطة الأخرى، التي لم يضع المتظاهرون موقف الشعب منها فى حسبانهم، هي الموقف من الإخوان، الذين أعلنوا صراحة أنهم مشاركون في الحدث ضد السيسي وضد الجيش، وقالوها، بلا لف ولا دوران: لاستعادة مرسي إلى الكرسى! ولقد صار الموقف الشعبي من الإخوان أوضح من أن يعاد للتذكرة. ففي كل مناسبة لا يتوقف الهدير الشعبي المطالب بإعدامهم جزاء على إرهابهم بالقتل وبوضع المتفجرات في الطريق العام، وبالتخريب في المنشآت المملوكة للدولة..إلخ.
ولكن المتظاهرين المدنيين، دعاة الحكم المدني، لم يجدوا أن عليهم أن ينفضوا يدهم من الإخوان، على الأقل بعد إعلان الإخوان عن نزولهم فى التظاهرة، أو أن يشرح دعاة التظاهرة موقفهم وأن يضعوا فواصل وفوارق بينهم وبين الإخوان. ولم يصدر فى هذا إلا بعض بيانات.
من تجمعات صغيرة كان على من يتتبع أن يبذل جهداً ليتحصل عليها، فما بالك بالرأي العام من الجماهير التي كانوا ينتظرون منها أن تحتشد!
وأما النقطة التي هي جديرة حقاً بالتوقف أمامها، فهي أن كثيراً ممن قصروا الحدث على جريمة رفع العلم السعودي، كان تعليقهم على غياب الجماهير شتائم مقذعة فى الشعب بأنه شعب كذا وابن كذا!!!
وهي ما يحتاج إلى مطولات فى تناولها!
والحقيقة أن هذه سابقة. أو فيلقل من هو أعلم.