الدستور
محمود عابدين
رسالة إلى وزير الآثار الجديد
كلما قرأت أو شاهدت تصريحاً هنا أو هناك لمسئول أثرى سابق أو حالى عن المتحف المصرى الكبير.. أتذكر على الفور دعابة شهيرة للمدعو «جحا».. تتلخص فى أن ملكاً طلب من رعيته اختيار شخص لديه قدرات خاصة لتعليم حماره كيف يتكلم ارتعدت فرائص الرعية من مجرد التفكير فى هذا الجنون إلا «جحا».. فقد قبل العرض مقابل أن يصبر عليه الملك لمدة 20 عاماً.. ويمنحه مبلغاً كبيراً من المال حتى يستطيع تحقيق هذه المعجزة.. ولأن الرعية تعرف جيداً ألاعيب «حجا».. لذا خافت عليه من حماقاته وحاولت إثناءه عن الفكرة.. لكن «جحا» أصر على رأيه وقال لهم ساخراً: «بعد مرور الفترة المتفق عليها.. إما أن يرحل الملك عن الدنيا.. أو يغور حماره فى ستين داهية.. أو يختارنى الله قبل أن أقع فريسة فى يد هذا المخبول»!!.
ولمن لا يعلم.. فالمتحف الكبير يقع بالقرب من منطقة أهرامات الجيزة.. وتشرف على بنائه شركتان من أكبر شركات البناء.. ويقام على مساحة 117 فداناً.. ويفترض أنه سيضم نحو 100 ألف قطعة أثرية من العصور: الفرعونية واليونانية والرومانية.. ويستوعب نحو 5 ملايين زائر.. بالإضافة إلى احتوائه على مركز للترميم.. وحديقة متحفية تضم مزروعات شبيهة بتلك التى كانت فى العهد الفرعونى.. إلى جانب عدد كبير من المبانى الخدمية والترفيهية.. وقد ظهرت فكرة إنشائه عام 2002.. وكانت الخطوة الأولى فى عملية التنفيذ عام 2005.. على أن يتم افتتاحه عام 2009.. لكن لسبب ما لا نعرفه تم تأجيل افتتاحه إلى عام 2012.. وهكذا استمر مسلسل الإعلان عن هذا الافتتاح عدة مرات كان آخرها عام 2015.. وجميعنا استبشر خيراً بهذا التاريخ.. لكن سرعان ما «عادت ريمة لعادتها القديمة» وأعلنت إدارة المتحف مجدداً عن افتتاح جزئى منه عام 2018.. على أن يفتتح بالكامل عام 2022 حسب ما أعلن مؤخراً طارق توفيق المشرف العام على هذا المشروع!!.
تقدر تكلفة المتحف الكبير بنحو 550 مليون دولار.. منها 100 مليون من وزارة الآثار.. ثم قرض يابانى بمبلغ 300 مليون يسدد بعد فترة سماح 20 عاماً.. والمقابل على ما يبدو هو إقامة معارض فى اليابان لقطع أثرية معينة.. وبشروط خاصة بحسب كلام الدكتور عبد الحليم نور الدين الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار.. بالإضافة إلى150 مليون دولار تبرعات ومُساهماتمصرية ودولية.. لكن وزير آثار أسبق فاجأنا بتصريح فى برنامج تليفزيونى منذ عدة أيام يوضح فيه أن «المتحف المصرى الكبير يحتاج إلى 700 مليون دولار للانتهاء منه بالشكل المأمول عالمياً».. دون أن يحدد لنا أيضا الفترة الزمنية لاستلامه.. أو يوضح للمشاهد مصير ماتم إنفاقه على هذا المتحف فى الفترة الماضية.. واقترح هذا الوزير بأن «تتولى إدارة المتحف شخصية معينة-وعلى ما يبدو كان يشير إلى نفسه- بالإضافة إلى مجلس أمناء من العالم كله.. وبعد ذلك تتم إقامة معارض تابعة للمتحف تلف دول العالم كله وتجيب فلوس للدولة»!!.
طبعاً هذا الكلا لم يعجب كثيرين.. ومنهم الخبير الأثرى أمير جمال الذى كشف أن فكرة فصل المتحف عن الدولة والإشراف الدولى عليه سيسهل سرقة وتبديل كنوز مصر من الآثار الفرعونية وأن الهدف من التمويل الخارجى للمشروع هو إبقاء المتحف مديوناً.. لافتاً إلى أن عملية تأجيل استلام المتحف ستستمر طالما كانت أمواله دون رقابة إلى أن تخضع وزارة الأثار إلى مخطط تسليم المتحف إلى إدارة دولية للسيطرة على الآثار المصرية.. ويضيف أنه فى 11 من نوفمبر عام 1991.. تم الاقتراح من قبل جمعية إنجليزية-أمريكية مشتركة على حكومتنا الموقرة إشرافاً دولياً على آثارنا.. على أن يتبع ذلك إقامة متحف جديد تحت إشراف دولى بدعوى أن متحف ميدان التحرير متهالك ولم يعد يكفى لاستيعاب الآثار التى يتم اكتشافها من وقت لآخر.. وأبدوا استعدادهم لإنفاق خمسة ملايين دولار.. ومعهد آخر للأبحاث بـتكلفة 400 ألف دولار.. بالإضافة إلى مبلغ 4 ملايين دولار.. يخصص ريعها لصيانة متحف التحرير.. مع العلم أن تلك المنحة لم تكن هدية لنا كما «طنطن» بذلك بعض الأثريين وقتها.. بل رافقتها عدة شروط.. منها أن تدير أمريكا ومعها الغرب كلاً من المعهد والمتحف لعشرات السنين.. وهذا يعنى –حسب تأكيد الأثريين-أن ترفع الحكومة المصرية يدها عن المتحف وبذلك ُتوضع آثارنا -بما فيها كنوز الملك الذهبى توت عنخ آمون والذى سنشير إلى أهميته عند الصهاينة قبل نهاية المقال– كوديعة فى يد لجنة دولية تتصرف فيها كيفما تشاء دون أى رقابة مصرية.. وبعد انتهاء المدة يمكن لمصر أن تعرف أو لا تعرف مصير هذه الآثار!!.
لكل ما سبق يمكننى الآن أن أقول: «كان الله فى عون السيسى.. لقد كان الرجل صادقاً جداً حينما قال إنه تسلم مصر وهى بقايا دولة».. لذا وجب علينا الوقوف خلفه بكل قوة حتى ُنعيد بناء مصر 30 يونيو.. مصر الحضارة والتاريخ والجغرافيا والإنسان.. مصر صاحبة أكبر رصيد أثرى فى العالم.. وحتى نعطى كل ذى حق حقه.. لابد أن نشكر وزير الآثار الجديد د.خالد عنانى على تصريحه الأخير بـ«عدم اعتماده أى مقترحات أو آراء تخص الآثار إلا إذا كانت مدعومة علمياً بنسبة 100%».. وهذا ما جعلنى أتطرق إلى نقطة غاية فى الأهمية قد أثارها د.زاهى حواس وزير الآثار الأسبق عندما سأل الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار السابق: «إزاى نصدق كلام نيكولاس ريفيزونخرم فى مقبرة توت عنخ آمون وهذا الرجل باع لنا الهوا ونصب علينا ؟؟».. وتابع «حواس» قوله: «نيكولاس ريفيز راجل نصاب أصلًا وأنا وقفته عن العمل نتيجة إنه كان بُيقيم الآثار لتُجار الآثار ومنعته من دخول مصر».. ده كلام جميل جداً.
والسؤال الآن: على أى أساس تعاون «الدماطى» مع نصاب عالمى يريد أن يعبث بآثارنا ويثقب مقبرة الملك توت غنخ آمون بزعم أن مقبرة الملكة نفرتيتى تقع خلفها ؟!.. سؤال ثانٍ: ما الجهة المنوط بها محاسبة «الدماطى» لتعامله مع هذا النصاب حسب شهادة «حواس»؟؟.. سؤال ثالث: هل لنا الحق فى إعادة فتح ملف ثقب هرم خوفو.. أهم أثر فى العالم عن طريق الجمعية الجغرافيةالأمريكية وجامعة ليدز؟؟.. سؤال أخير.. هناك فقرة من مقدمة قانون الآثار 117 لسنة 1983ممهورة بإمضاء «حواس» تقول: «إن تقدم الدول فى العالم كله يقاس بمدى صيانة حضارتهم وتراثهم.. وأعتقد أن مصر من الدول القليلة جداً فى العالم التى تحافظ على تراثها وحضارتها».. فهل حقاً نحن كذلك ؟!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف