كمال الهلباوى
متى تتخلص بلادنا من الأخطار المحدقة «2-2»
تحدثت فى المقال السابق عن فتنة من أخطر الفتن التى تتعرض لها الأمة فتشطرها، وأشرت إلى قول جميل للأستاذ الدكتور محمد رشاد سالم أستاذ العقيدة فى الأزهر وفى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عندما قام بمهمة تدقيق كتاب «منهاج السنة النبوية لابن تيمية، حيث كتب فى المقدمة «وقد قامت جماعة تقول بوجوب التقريب بين المذاهب الإسلامية، وعدم جواز التعرض للخلافات بين الفرق الإسلامية المختلفة ،حتى نحافظ بذلك على وحدة الصف بين جميع المسلمين...
وعلى هذا الرأى يكون نشر كتاب مثل «منهاج السنة» فيه نقد لمذهب الشيعة والمعتزلة، مما يزيد الخلاف ويشيع الفرقة ،وهو ما يجب أن نعمل على تلافيه وتجنبه».
ثم يواصل الدكتور الجليل محمد رشاد سالم فيقول: ولا ريب أن اتحاد المسلمين واجتماع كلمتهم، هو مايجب أن يسعى إليه جاهدًا كل مسلم غيور على دينه مخلص لعقيدته، على أن هذا الاتحاد يجب أن يكون على الحق لا على الباطل، وعلى أساس التمسك بالكتاب والسنة ،كما أمرنا الله تعالى بذلك فى قوله: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ» «سورة آل عمران 103»، وحبل الله هو كتاب الله}.
هذا عالمان جليلان أولهما، وهو الشيخ محمد الغزالى، كان إخوانيًا حتى النخاع، ثم فصل من الإخوان على إثر خلاف على قيادة الجماعة فى أول الخمسينيات، ولكن ظل داعية كريمًا طول عمره، وعالمًا جريئا له رؤية واضحة، وإسهام وبصمات ظاهرة حتى اليوم، بل إنه حاول الاستدراك على رسائل الإمام البنا، ليعلم الإخوان السعى للإضافة والتجديد دائمًا، حتى بشأن الرسائل، والعالم الثانى هو الدكتور محمد رشاد سالم وهو أيضًا عالم مصرى مرموق، يفهم السلفية فهمًا جيدًا، وطالما درس علوم العقيدة فى الأزهر وغيرها من الجامعات، ولكنه كان مستنيرًا ويستخدم العقل فى النقل، ولا يقبل النقل الذى يلغى العقل أو ينحيه جانبًا.
هذا العالمان الجليلان كانا دائمًا ينبهان، على خطورة الفتنة الطائفية المذهبية بين السنة والشيعة ، فى حين أن آخرين، للأسف الشديد من العلماء – وما أكثرهم وما أقل العقلاء وأهل الحكمة - وقع فى المحظور، وشارك بفتاوى شاذة أو دعم قنوات أو برامج فى الجانبين «المذهبين» لصب الزيت على النار، مما زاد الطين بلة. ولايزال هذا قائمًا، ولا يستفيد فى النهاية من هذه الفتن إلا أعداء الأمة.
بعضهم يسب ويكره أهل التشيع أكثر من اليهود المحتلين لبلادنا، وأكثر من الأمريكان، بل إنهم مستعدون لقبول الاحتلال الأمريكى والهيمنة الأمريكية والقواعد العسكرية الغربية، ولا يقبلون التعاون مع إيران «الشيعة» أو الاستفادة مما تقدموا فيه، وخصوصًا البرنامج النووى، أو خروجهم من الحصار الظالم عليهم فى إيران، وتحملهم الصعاب والتهديدات فى سبيل ذلك.
هناك فتاوى منها فتوى المرشد الخامنائى بتحريم سب الصحابة وأم المؤمنين عائشة ، ولكن بعضهم من أهل السنة يتجاهلون تلك الفتوى، ويسيرون فى طريق تشويه مظلم حتى تكتمل الفتنة، ويشتد الصراع أو الحرب الإقليمية فى المنطقة، حرب المحاور، وخصوصًا بعد تدهور الأوضاع فى العراق وسوريا واليمن ،وبعد بروز قوة حزب الله فى لبنان، ونجاحه فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى التى اعتبرها بعض أهل السنة من المسؤولين «مغامرة غير محسوبة العواقب»، والحمد لله تعالى أن وقف حزب الله اللبنانى ضد الاحتلال الإسرائيلى لجنوب لبنان ، وإلا رأينا الاحتلال فى شمال لبنان.دعونا ندعو الجميع إلى احترام الاختلاف المذهبى، ووضع أسس استراتيجية عامة لا يتجاوزها أحد الطرفين وهذا يتطلب الحوار المستمر، وبذلك نتجنب الحرب الإقليمية أو الصراع الإقليمى المتوقع وكذلك الفتنة المذهبية، ونتجنب تدمير بلادنا بأيدينا، وبالسلاح المنتج محليا أو المستورد، حيث لا يستفيد من ذلك إلا أعداء الأمة