البديل
أحمد بان
الثورة وأبواب التغيير
بعد خروج الإخوان من مشاهد ثورتهم الخاصة التي حددت هدفها الوحيد فى العودة لمقاعد الحكم الذي لم يشبعوا من عسيلته، رغم ادعاءات استعادة المسار الديمقراطي ومدنية الدولة التى لم يؤمنوا بها يوما، وبعد دخولهم فى كمون جبري بفعل أجهزة الأمن أو اختيارى بفعل الانقسام الداخلي فى التنظيم.

بدا لثوار يناير الأصلاء أو على الأقل بعضهم، باعتبار أن الفعل الثوري فى يناير كان جامعا بشكل أوسع لكل الحالمين بالتغيير، أن اللحظة مناسبة لإشعال مسار ثوري جديد يعولون عليه فى استعادة أحلام تغيير مصر إلى الأفضل.

بداية النظام الحالي لايمكن الدفاع عنه من خلال تعديد إنجازاته الغائبة، إلا من استقرار قد يتفوق فى مظهره على ما تعيشه دول كالعراق وسوريا وليبيا، لكنه قد لايختلف فى مآلاته إذا استمر منهج الحكم بذات الطريق.

لكن حديثي لشباب اقترب منهم بالتجربة، وابتعد عنهم ربما قليلا بالعمر وإن كنت أزعم أن قلبي لازال يخفق بعشق الحرية والعدل والديمقراطية الغائبة حتى إشعار آخر.

ثرنا معا على نظام مبارك الذى جثم على صدورنا لثلاثة عقود، تصورنا أن تنحي مبارك كان إيذانا بانتهاء دولته وراهنا أن روح الثورة ستطهر الجميع، وأن مؤسسات الدولة ستطهر نفسها بنفسها، وهى التي اعتادت أن تتوضأ بالدم فى صلاتها وهى تتوجه قبل الحاكم بأمره ظلا لعبادة فرعونية قديمة، كنا سذج فى اعتبار أن رفع أصواتنا فى الميادين “الشعب يريد إسقاط النظام” كاف لإسقاط هذا النظام الفاسد، وبناء نظام عادل وراشد مؤمن بالحرية والديمقراطية.

لم نفقه ضرورة التحول السريع من الثورة للسياسة ،عندما تقدم الإخوان لحصد ثمرات المشهد أن السيناريو البديل قد جرى تدشينه، وتنحي النظام القديم ليفتح الباب لقرينه من الإخوان لتقدم المشهد لعام واحد كان كافيا لتبرير الانقضاض على صورة الديمقراطية، ودعوني أقول صورة الديمقراطية التى يختزلها البعض فى صندوق يترجم غياب الوعي بالديمقراطية أكثر من الوعي بها، لم يكن لدينا أحزاب حقيقية تنهض لمواجهة تحدى بناء الدولة، كان لدينا قوى جديدة عبرت عن نفسها فى الميدان فى فعل ثوري هو فعل هدم فى النهاية، لكنها لم تستطع أن تتجمع على بناء رؤية بناء بديل، ومن ثم جرى المشهد كما نعلم لأننا كثوار لم ننظم نفسنا فى حزب أو اثنين أو حتى ثلاثة ينتظمون طاقات الناس وأحلامهم، ويبرزون فى مواجهة المتصارعين على حكم البلاد رقما صعبا، يهذب طموحاتهم وأطماعهم لحساب طموحات الشعب المشروعة.

أصر الشباب على أن الثورة هى الباب الصحيح للتغيير، وأن الخطأ كان فى الكف عن الفعل الثوري الذي أضعفه الإخوان بالأساس، بقبولهم الانخراط في الانتخابات والدستور تحت قواعد اللعبة القديمة التى يتقنها النظام السابق جيدا، ومن ثم ظل إخلاصهم للثورة باعتبارها الباب الوحيد والحصرى للتغيير من خلال الثورة على الإخوان والنظام معا، وأنا معهم لكن ليس عبر ثورة ستطلق فوضى مهما تحلت باليقظة والحذر، هى البوابة الملكية التى سينفذ منها أعداء الحياة كداعش ومن لف لفهم ليفسدوا علينا الوجود ذاته كما فعلوا فى سوريا والعراق.

فى واقعنا اليوم التغيير له باب واحد، كلفته هى الأقل ونتائجه بحول الله مضمونة طريق يسبق فيه الوعي الحركة المنضبطة، وليس القفز فى المكان حتى لايصبح التمرد من أجل التمرد والثورة من أجل الثورة، والرفض من أجل الرفض كل ذلك يمثل حالة مرضية غير صحية، لابد أن يكون هناك مشروع سياسي وراء ذلك كله، هذا ما توصل إليه جيلنا بعد طول معاناة وبعد تكاثر الهزائم والنكسات على حد قول محمد جابر الأنصارى، المفكر العربى النابه.

التغيير له بابان التدافع السياسي مهما ضاقت مساحاته فلنوسعها، بكلفة ستبقى أقل كثيرا من الباب الثاني، باب الثورة الذي دفعنا ودفعت أمم غيرنا ثمنا باهظا له ولم تظفر بما أرادت.

صدقوني دون اتهام بالتخاذل، لا تبددوا طاقاتكم وتنهكوا الدولة بقفزات فى الهواء لن تقوى أقدامكم على احتمال أثارها طويلا، وفى النهاية لن نظفر سوى بالسقوط فى بئر اليأس والإحباط وفقد طاقات كانت البلاد أحوج إليها فى معركة البناء والتقدم، فكروا بهدوء مرة واحدة.

التنظيم السياسي فى أحزاب هو فريضة الوقت فلا تضيعوا مزيدا من الوقت، فلنبدأ اليوم ونحصد الثمرة بعد خمس أو عشرة أعوام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف