البديل
منى أبو النصر
بيبيعوا الهرم قلنا نشتري حجرين
قبل أيام طل علينا أبو الهول عبر “فيس بوك”، مرتديا “غطرة” سعودية، معلنا لنا أن اسمه في الأصل “أبو نواف”، مثيرا زوبعة من الضحك المسكون بالحسرة، التي باتت حديث الليل والنهار بعد واقعة “تيران وصنافير“.
لم يكن يعلم صاحب هذا “الكوميكس” الشهير أن بعد أيام قليلة ستقف سيدة يوم 25 أبريل رافعة علم السعودية وتهتف أمام إحدى الكاميرات “ما ياخدها الملك سلمان.. الملك سلمان وقف معانا في عز الشدة.. واللى بيقول هي مصرية.. طيب هي مصرية بأه.. وإحنا اديناها للملك سلمان.. ولو طلب الأهرامات كمان نديهاله.. ونديله كمان أبو الهول وأم الهول.. نديله اللى هو عايزه”، انتهي الفيديو، ويبدو أن بعد انتهائه كانت تطلع زغاريدها “الكيدية” هي ومن حولها، وهن يرفرفن بالعلم الأخضر.
الحديث عن “مصرية” أو “سعودية” الجزيرتين بات صفرا على يسار مشهد أكثر فجاجة وبؤسا، بعد أن كشف يوم 25 أبريل وبشكل واضح وغير موارب، عن قطاع ليس بالقليل من الشعب بات مؤمنا بأن الجزيرتين مصريتين، وأن بيعهما للسعودية أو “للي يدفع” أمر مقبول بل و”ضربة معلم” من الرئيس تستحق الاحتفال في الميادين، هل يعلم الرئيس السيسي أن ملف تيران وصنافير تم تلقفه لجانب كبير من فئات الشعب بهذا المنطق؟ هل يرضى عن صورته الآن التى كانوا يرفعونها؟
قبل نحو شهرين، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعد بث مقطع فيديو لتجربة أعدها فريق “دوت مصر”، الذين قاموا ببث مغامرتهم لشراء حجر من الهرم، موثقين بذلك عملية بيع حجارة الأهرامات للسياح أو للمصريين من حاملي “الدولار” أو “اليورو”، وهي العملية التى يقوم بها “ضالعون” في هذا المجال تحت مرأى ومسمع القائمين على هذه المنطقة الأثرية الأخطر، أُطلق على هذا الفيديو “بيع الهرم”، الذي تم تداوله بعبارة “عرفنا إنهم بيبيعوا الهرم قلنا نشتري حجرين”، وهو الفيديو الذي تم التشكيك فيه من جانب القائمين على الآثار، وحاولوا توريط أصحابه باعتبارهم قاموا بالتصوير دون إذن، وغيرها من الاتهامات والمماطلات التى تجدد الظن بدولة غير مكترثة ببشر أو حجر .
لابد أن من قام باستحداث تجارة “بيع حجر الهرم” يحفظ عن ظهر قلب كل الأغاني الوطنية الممكنة وربما يغنيها للسياح، لكنه يبيع حجر الهرم لأنه “بيسترزق” خاصة أن السياحة “مضروبة”، ولو تحدثت مع هذا السمسار ستجد لديه من الحجج ملء السماء، والتبرير هنا سيد الموقف، كتلك السيدة التي ترى أنها كمصرية أصيلة ليس لديها مانع في بيع “أم الهول” لأي شخص يساعدها اقتصاديا، وهي السيدة التى لابد أن لها ابن في عمر التجنيد، ما الحال إذا كان يتبنى رأي أمه؟ كيف سيحارب ويُذهب روحه مقابل كلمة اسمها “الانتماء”؟
للمرة الألف، تجدنا نتحدث عن ذلك المرض العضال الذي يتسبب فيه تجاهل المسؤول لك، باعتبار أن “الموضوع خلص”، وعلى ما يبدو أن الرئيس السيسي تعامل مع “المصريين” باعتبارهم إما معارضين “غير وطنيين” لا يجوز لهم سوى مزيد من التجاهل وإطلاق يد الداخلية عليهم، وآخرين مؤيدين “وطنيين” لاتفاقية ترسيم الحدود، قطاع كبير منهم يعتقدون حق الاعتقاد أن الأرض مصرية وأن بيعها “حلال” .
المدافعون عن بيع الجزيرتين، قطاع لا يجوز التعامل معه بالسخرية وحسب، ولابد للنظام أن يعي خطورتهم الشديدة عليه وأنهم أصبحوا أخطر عليه من معارضيه، وآن الأوان أن يعي الرئيس أن تضاعف فهم وتأويل الرسائل ليس إلا نتيجة لفشل الخطاب الرئاسي حيال هذا الملف الشائك.
بالبديهة.. فإن شابا خرج هاتفا بكل شبر في أرضه، وكل قطرة دم أريقت في سيناء، هو خير وأحب عند الله من شاب ربما يدعوه الظرف لاعتلاء دبابة حربية دفاعا عن أرض مصر، فيؤثر بيعها “خردة” للي يشتري.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف