الوطن
د. محمود خليل
السبيل (30)
لحظات الجنون كانت عند «فهمى» هى اللحظات الحقيقية للعقل.. ولحظات الشكوى والضجر كانت العقل بالنسبة لمختار.. أما طارق فقد كان يرى العقل فى عدمية الأشياء.. بنات السبيل بالنسبة لفهمى كن الحياة، وبالنسبة لمختار «لا يصلحن»، وبالنسبة لطارق فتنة وجحيم مقيم.

- مختار: لا يصلحن. لا يصلحن!.

- فهمى: لماذا لا يصلحن؟!

- مختار: لأنهن قبيحات!.

- فهمى: هن مقبولات.. وفيهن جميلات.. الجميلات ندرة نعم!، ولكن فيهن.

- مختار (بتفلسف): إننى أقصد القبح بمعناه العام. لقد فهمتنى أمل، التى لم تعرفنى سوى شهرين، أكثر منك، وقد عاشرتنى عمرك كله!. فهمت عقدتى وحلتها.

- فهمى: عقدة؟.. أية عقدة؟!.

- مختار: عقدة الجمال يا فهمى!. الجمال الذى يختفى فى المحيط بى.

- فهمى: إنها لم تفهمك، لأنها لو فهمتك فستعلم أن القبح داخلك أنت، تحاول ستره بالتفتيش فى القبح المحيط بك!.

- مختار: إنك تتجاوز حدود الأدب فى الحديث معى.

- فهمى: سامحنى يا مختار إنى أحبك وأخاف عليك!.. إنك لا تفهم الحياة جيداً.. إنك مثل طارق متعالٍ على الواقع. أنت تتعالى على الآخرين لأنهم لا يفهمونك. عقولهم لا تستوعبك. إن المسألة ليست هكذا!.. الفارق الوحيد بينك وبينهم أنهم يلفظون ما يسمم أجسادهم وعقولهم.. أما أنت فلا!.. بضع دقائق فى الحمام تخرج بعدها إنسان آخر!. طارق أيضاً يتعالى على الناس ويتهمهم بالضلال. هؤلاء الناس ليسوا ضالين. إنهم أذكى منه ومنك. كلاكما لا يلفظ قاذوراته مثلهم. آه.. ما أمتعها لحظة التفريغ يا مكبوت!.

- مختار: «وضعوا له السم فى العسل.. قتلوه!.. قتلوا الحسن. ورددوا: ولله جنود من عسل!».

- فهمى: عدت للهذيان من جديد!. منها لله أمل.. هى التى أخرجتك من التابوت!. ولكن الحمد لله.. ها أنت تعود إليه سريعاً. حمداً لله على سلامتك يا مختار. وها هو أخوك الزعيم قادم بعد أن حقق النصر مع رفاقه فى غزوة القفف!.. إننى أسمع وقع أقدامه!.

- طارق: كفاك سخرية يا فهمى.. الله يهديك.

- فهمى: سخرية يا طارق!.. أخوك يا مختار كان قائد المعركة التى حمى وطيسها مع الفلاحين أمس الأول. والحمد لله أن المولد انتهى بالأمس، وإلا كان سيكون لبدر أحد لو جمع الفلاحون أحزابهم من الخيام فى الشوارع الأخرى!.. والله لولا أنى وعقلة اجتذبناك من براثن الفلاحين لدفنوك فى واحدة من قففهم!.

- طارق: لقد كنا نجاهد فى سبيل الله.

- فهمى: تجاهدون فى سبيل الله؟!. أى نوع من الجهاد هذا؟!.إنهم فلاحون مسلمون بسطاء لا حول لهم ولا قوة.

- طارق: إنهم يجدفون فى الدين؟!.

- فهمى: إنهم لا يفهمون سفسطتك!.

- طارق: لقد قال أحدهم إن الصلاة قد رفعت عنه!. لقد كان يعبر عنهم؟.

- فهمى: كما تعبر أنت عن إخوانك فى السبيل؟!. فكرة الواحد الذى لا يقبل القسمة ستؤدى بنا إلى الهلاك. كل إنسان يعبر عن نفسه. عن نفسه فقط!. ولا يوجد واحد فقط يعبر عن المجموع. إنكم تتحركون كقطيع!.. الكل يتحرك كقطيع!.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف