المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. من يدفع الثمن؟!
الدكتور حازم الببلاوي اسم لامع في عالم الاقتصاد الرأسمالي المتوحش.. كان ومازال عراب روشتة صندوق النقد الدولي التي نجحت في تدمير اقتصاديات الشعوب الفقيرة.. وقد ترقي في السلم الوظيفي للصندوق حتي وصل إلي منصب المدير التنفيذي.. ثم عاد إلي مصر ليعطيها خبراته وينقذ اقتصادها فتولي رئاسة الوزراء في مرحلة دقيقة لكنه فشل فشلا ذريعا.. وزاد الأمر سوءا.. فرجع ثانية إلي واشنطن ليكون قريبا من صندوق النقد ويمارس دوره الأثير في الترويج لأفكاره ونظرياته.
وأثناء تواجد البعثة المصرية لطرق الأبواب في واشنطن الأسبوع الماضي التقي الببلاوي بزملائنا الصحفيين المرافقين للبعثة.. وأعاد علي أسماعهم وصفاته الصندوقية لإصلاح الاقتصاد.. وما كان يكتبه في صحفنا أيام بريقه الأولي قبل أن نجرب وصافته ونتأكد من فشلها.
قال لا فض قوة إنه يستغرب تأخر الحكومة في رفع دعم الطاقة.. فالأمر بات ملحا في ظل ما يواجه الاقتصاد من تحديات.. ويضيف: "الحكومة نجحت في عبور الخطوة الأولي من برنامج رفع الدعم وهي الخطوة الأصعب والأخطر.. ولكن عليها الاستمرار حتي تنجح في تحقيق النتائج المرجوة.. الاستمرار قد يكون قاسيا لكن لا مفر منه.. وانخفاض سعر البترول يسهل المهمة".
وهكذا يصور الببلاوي أن رفع دعم الطاقة هو الذي سيحل أزمة الاقتصاد.. رغم اعترافه بأن الخطوة الأولي من رفع الدعم كانت صعبة وخطيرة.. وهو يعتبر أن الحكومة نجحت في ذلك.. ولا يعرف - ربما - أن الأسعار ارتفعت ارتفاعا بشعا بسبب هذه الخطوة الصعبة والخطيرة.. وأن كل المسكنات التي لجأت إليها الحكومة للحد من ارتفاع الأسعار باءت بالفشل.. وأن الناس صارت ناقمة أكثر وأكثر علي الحكومة.. وفي المقابل فإن الاقتصاد لم يتحسن.. بالعكس الدولار وصل إلي عشرة جنيهات ونصف الجنيه.. والديون الداخلية والخارجية بلغت أرقاما فلكية غير مسبوقة.
حين يتحدث الببلاوي عن رفع الدعم يقول الآن وبسرعة.. ولكن حين يتحدث عن العدالة الاجتماعية يقول إنها تحتاج إلي وقت طويل ولا توجد دولة حققت تقدما اقتصاديا دون أن تدفع الثمن.. بناء الدولة ليس نزهة ولكنه عمل شاق.. فطريق النجاح الذي تسعي إليه مصر لابد أن يبدأ بعملية شد الحزام وبعدها سيتحسن الوضع كثيرا.
حسنا.. هل يعرف الببلاوي وأمثاله من الذي يدفع الثمن في مصر.. ومن الذي كتب عليه دوما أن يشد الحزام حتي انقطع هذا الحزام ولم يعد له وجود؟!.. الفقراء - ياسادة - هم الذين ازدادوا فقرا مع تطبيق كل خطوة من خطوات روشتة الصندوق بينما يزداد الأغنياء غني وسعادة.. الفقراء والمعدمون والموظفون والمهمشون هم ملح هذه الأرض وهم الذين يدفعون الثمن الباهظ لكي ترتفع ناطحات السحاب علي ضفاف النيل.. وترتفع الأسوار علي القصور والفيلات في المدن الجديدة وعلي أجمل شواطئ مصر.. أليست هذه هي النتائج الطبيعية التي رأيناها لتطبيق برامج صندوقكم اللعين؟!
ورغم اعترافه بخطورة ارتفاع الدين المحلي الذي وصل إلي 90% من اجمالي الناتج القومي إلا أنه ينصح بمزيد من الاقتراض.. يقول: "الاستدانة في حد ذاتها فكرة أساسية تحقق تقدما اقتصاديا.. ولكنها إذا تجاوزت الحد الآمن تخلق نوعا من الارتباك والتدهور".
وتطرق الببلاوي إلي ما قاله إنه "هشاشة في النظام الضريبي المصري".. حيث لا يتعدي حجم الضرائب المحصلة في مصر 15% من اجمالي الناتج القومي.. بينما في أي دولة يبلغ في المتوسط 35%.. هناك 20% من حق الدولة الشعب لا يدفعها.. وللأسف الشعب الغني.. علي حد قوله.
نعم.. الشعب الغني هو الذي لا يدفع الضرائب.. الشعب الغني هو الذي يتهرب من الجمارك.. وهو الذي يمارس الرشوة وينهب أرض الدولة ويعيث فسادا وإفسادا.. وهذا الشعب أقلية ضئيلة.. لكنها متحكمة ونافذة وصاحبة صوت وجبروت.. وتعرف كيف تستفيد من كل القرارات والقوانين.. وتجعلها في خدمة مصالحها.. فهل يجوز بعد ذلك أن نطالب المعدمين بدفع الثمن مرة ومرتين وثلاثا.. وإلي الأبد؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف