المساء
مؤمن الهباء
شهادة ..بيريكليس
مرة أخري يقدم لنا العالم الجيل د. محمد عناني استاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة تحفة فنية مبهرة من روائع شيكسبير شاعر الإنجليزية الأعظم هي مسرحية "بيريكليس.. امير صور" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في ترجمة دقيقة.. صاغها شعراً أنيقاً وألحق بها مقدمة نقدية وافية وحواش تشرح الصعوبات اللغوية والتحريرية للنص المترجم.. بالإضافة إلي ملحق يضم بعض المراجع والأصول الشعرية والنثرية التي استقي منها شيكسبير مادته الدرامية.. ولا أظن أن أحدا سبق د. عناني إلي حشد مثل تلك المراجع والملاحق وتقديمها مع الدراسة النقدية العميقة التي تنم عن عقلية موسوعية حقيقية.
ورواية بيريكليس هي المسرحية الرابعة والعشرون لشيكسبير التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب من ترجمة الدكتور محمد عناني.. وفيها يستخدم شيكسبير رواية يبعثه من القرن الرابع عشر هو جون جاور ليقدم الأحداث ويعلق عليها.. وللمسرحية أصول تاريخية اكتسبت أبعاداً أسطورية.. ويقال إن شاعراً آخر هو ويلكنز شارك شيكسبير في كتابتها.. خصوصا الفصلين الأول والثاني.
وطبقاً لما ذكره د. عناني في مقدمته فإن هذه هي الترجمة العربية الكاملة لبيريكليس.. وفي تقديري أن الترجمات السابقة كانت تفتقد الدقة والثراء اللغوي والعمق الدرامي الذي يقترب بها إلي ثراء النص الشيكسبيري الأصلي.. وإلا ما أقبل د. عناني علي تكرار الترجمة وأنفق فيها من الوقت والجهد ما يفوق الطاقة.
والحق أن شيكسبير أبدع في أن يقدم لنا في هذه المسرحية نصاً شعرياً إنجليزياً متقن الوزن والصنعة.. وكذلك أبدع د. عناني هو الآخر في أن يقدم لنا ـ عبر الترجمة ـ نصاً شعرياً عربياً متقن الوزن والصنعة.. فأنت تقرأ إبداعاً أصيلاً وليس مجرد ترجمة.. وتشعر أن المترجم ـ الذي يمتلك أدواته بمهارة ـ يضارع الشاعر ويكافئه إبداعاً بإبداع.. مستوعباً لغته وأسلوبه وصوره.. ومعبراً عنها بأعلي درجات الدقة.
ومن الصعب علي مقال في هذه الزاوية أن يحيط بعناصر الجمال التي تضمنتها مسرحية بيريكليس والدرامة الشيقة التي صاحبتها.. ولكن حسبي أن يدرك القارئ من هذه النبذة أن الكتاب الذي يضم المسرحية والدراسة والملاحق والهوامش يمثل كنزاً معرفياً لمن ينشد الاشباع العقلي.. فهو محاضرة علمية محكمة للأكاديميين ونقاد الأدب.. وهو في الوقت ذاته متعة ذهنية رائقة لمحبي الفن والمسرح والشعر.
يقع الكتاب في 426 صفحة من القطع الكبير.. تستحوذ المسرحية علي 148 صفحة فقط والباقي للمقدمة والدراسة والملاحق والهوامش والمراجع والخرائط التي توضح المدن والممالك التي شهدت الوقائع وكلها في شرق البحر المتوسط.
وتدور أحداث المسرحية حول بيريكليس أمير صور النبيل الذي يدخل في مغامرات تملأ حياته بالحزن والأسي.. فيفقد زوجته ويفقد ابنته.. ويظل هائماً تعيساً لأكثر من 14 عاماً.. وبعد رحلة شاقة مع البؤس تلتئم الأسرة مرة أخري وتحمله الأقدار ليلتقي بالزوجة والإبنة.. يقول د. عناني إنها كوميديا رومانسية أو رومانسية كوميدية.. بينما تنطق الأحداث من البداية إلي النهاية بأنها تراجيديا شيكسبيرية عادية قريبة الشبه بهاملت والملك لير.
وتفتح الدراسة النقدية التي قدمها د. عناني أمام القاريء آفاقاً رحبة للوقوف علي التفسيرات الدينية والسياسية والتاريخية والجغرافية للأحداث.. إلي جانب التحليل النفسي للأبطال.
بقي أن تعرف أن د. عناني قدم للمكتبة العربية العديد من الدراسات النقدية واللغوية والترجمات الادبية والفكرية إلي جانب الكثير من الإبداع الأدبي المتنوع ما بين المسرح والشعر والسيرة الأدبية.. أمد الله لنا في عمره كي يزيدنا متعة ومعرفة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف