الأخبار
جمال زهران
ضوء أحمر .. حدود الوظيفة الجامعية.. والتفرغ لها
هل يعلم أحد أن أستاذ الجامعة المطالب بالتفرغ مطلوب منه أن يشرف علي طلاب الدراسات العليا، ويتابع طلابه، مقابل جنيهات بسيطة، وهو يمارس هذا العمل في منزله، وخارج الجامعة
وفقا لقانون تنظيم الجامعات رقم ٤٩ لعام ١٩٧٢، والتعديلات التي أجريت عليه وهي عديدة، وفإن المادة (٩٥) حددت أنه علي أعضاء هيئة التدريس أن يتفرغوا للقيام بالدروس والمحاضرات والتمرينات العملية وأن يسهموا في تقدم العلوم والآداب والفنون بإجراء البحوث والدراسات المبتكرة والإشراف علي ما يعده الطلاب منها والإشراف علي المعامل وعلي المكتبات وتزويدها بالمراجع، كما أن عليهم أيضا وفقا لنص المادة (٩٦) التمسك بالتقاليد والقيم الجامعية الأصيلة والعمل علي بثها في نفوس الطلاب.. إلخ.
ووفقا لنصي المادتين (٩٥، ٩٦) فإن الأستاذ الجامعي مطالب بالعديد من الوظائف عليه أن يؤديها في نفس الوقت بنفس راضية، كما هو مطالب بالتمسك بالقيم والتقاليد الجامعية الأصيلة وغرسها في نفوس الطلاب، الأمر الذي يستلزم في المقابل أن يعيش حياة كريمة وسط الناس تمثل الحدود الوسطي بين الدنيا والعليا، بحيث لا تصل به إلي حد الكفاف ولا حدود الغني والسفه، إلا ان الدولة لا تنظر إلي هذه الفئة التي يصل عددها إلي نحو (١٠٠) ألف عضو هيئة تدريس بالجامعات والمعاهد الحكومية، نظرة جيدة، فقد عرفنا أن أستاذ الجامعة في عهد جمال عبدالناصر، كان يتمتع بأرفع المرتبات وفقا لرؤية هذا الزعيم من هؤلاء، وهي النهوض بالجامعات باعتباره المدخل للنهوض بالمجتمع فارتفع شأن هؤلاء ومجتمعهم، بينما في عهد السادات ومبارك كانوا ينظرون إلي هذه الفئة ومعها كل الفئات التي لها في مجال التفكير والابداع، نظرة ريبة وشك، ومن ثم فإن تركهم يعيشون في حياة ميسرة من شأنه ان يسهم في تحريك الوعي عند الناس والطلاب والمجتمع، ولذلك لابد من وضعهم في حياة ضنك وحد الكفاف، وإجبارهم علي ترك البلاد والهجرة سعيا وراء الرزق فتخلو الساحة لمرتزقة النظام، وداعميه، أو من أراد أن يعيش مناضلا بما هو متاح ويتحمل مسئولية موقفه.. نحن الآن في عهد يرسخ لقيم العمل والتقدم والنهضة والانتماء، فكيف السبيل لتحقيق ذلك دون النظر في ملف الجامعات بحسم؟! ففي الوقت الذي تصدر قرارات تعيين رؤساء الجامعات من رئاسة الجمهورية ببطء شديد، يرتب تجاوزات وأوضاعا مشبوهة وانعدام شرعية (نموذج جامعة بورسعيد خير مثال كاشف لهذا البطء والفساد)، في ذات الوقت الذي نري رؤساء الجامعات يطالبون أعضاء هيئات التدريس بالحضور ٤ أيام، وإلا فالوعد والوعيد، بخصومات بدل الجامعة الذي يصل إلي ثلث المرتب!
هنا السؤال: رغم عدم وجود نص قاطع يشير إلي ضرورة وجود أستاذ الجامعة ٤ أيام، وبالتالي عدم وجود نص قاطع بعقوبة من لم يحضر، فإن هناك فساداً مستشريا في الجامعات بالتستر علي المتغيبين شهورا بلا إذن، والعمل خارج مصر بدون إذن، وتقديم عقود عمل لزوجاتهم لمرافقتهم للعمل، وهي مضروبة ولم يخرجوا من مصر أصلا، والشكاوي عديدة، تقدم للوزير ولا حياة لمن تنادي، إلا أن الأستاذ صاحب الرأي والرؤية يطالب بالحضور وإلا فالتنكيل والتهديدات والعقوبات المتتالية ومنع السفر لحضور المؤتمرات، هي المقابل، فكيف يطالب هؤلاء بالابداع يا حكومة؟! ومرتبات هؤلاء كانت في عهد عبدالناصر أرفع المرتبات وتسبق القضاء والبنوك وغيرهما، بينما في الوقت الحاضر فإن مرتب أكبر أستاذ لايتجاوز (١١) ألف جنيه تعادل ٢٥٪ من الحد الأقصي للأجور! وفي الوقت الذي رفض العاملون بالبنوك الحد الأقصي وهو (٤٢) ألف جنيه شهريا، ورفض قضاة المحكمة الدستورية وهيئات أخري قضائية الإفصاح عن مرتباتهم، وضاع في الزحام الحد الأدني والحد الأقصي، في الوقت الذي يقوم أساتذة الجامعات بواجباتهم في ظل مناخ هو الأسوأ في تاريخ الجامعات المصرية، وبأقل الدخول والأجور!
هل يعلم أحد أن أستاذ الجامعة المطالب بالتفرغ مطلوب منه أن يشرف علي طلاب الدراسات العليا، والماجستير والدكتوراة لعدة سنوات ويتابع طلابه، مقابل جنيهات بسيطة، وهو يمارس هذا العمل في منزله، وخارج الجامعة، فهل هذا الوقت يدخل في الوقت الجامعي أم لا؟! كذلك المشاركة في مناقشة رسائل الطلاب في الجامعات الحكومية الأخري، مقابل جنيهات يخجل الأستاذ أن يقول حجمها، قراءة ومناقشة بالساعات، هل تدخل في الوقت الجامعي؟! ناهيك عن تصحيح أوراق الطلاب بعد الامتحانات، وتأليف الكتب للطلاب وتعديلات سنوية عليها لتحديثها والادلاء بالرأي للمشاركة العامة التطوعية، هل يدخل كل ذلك في الوقت الجامعي للأستاذ؟!
أعرف أساتذة يسكنون بجوار الجامعة فيذهبون دقائق، ويحسبون حاضرين، بينما القاطنون علي بعد مسافات طويلة بالساعات، يحضرون إسبوعيا ويعطون جميع محاضراتهم، ويحسبون غير متواجدين علي خلفية عدم حضور الأربعة أيام! فيك يا مصر مضحكات مبكيات، وللحوار بقية، ومازال متصلا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف