كان من اللافت للنظر خلال افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي لمبني وزارة الداخلية الجديد كثرة عدد العناصر البشرية التي تقوم بالتأمين والحراسة وعندما علم الرئيس بعدد المجندين الذين يتولون هذه المهمة الي جانب الضباط وأمناء الشرطة وجه العديد من الأسئلة عن حجم تكلفة عملية التأمين والجهد البشري الذي تستلزمه وهو ما يفرض علي الوزارة اعادة النظر في عملية التأمين البشري بما يقلل التكلفة ويوفر هذه العناصر البشرية لضبط حالة الأمن في الشوارع والمناطق الشعبية التي تتعدد فيها المشاجرات وتكثر فيها الفوضي ويقل فيها التواجد الأمني.
****
طبعا من حق وزارة الداخلية تأمين مبناها الجديد فهو رمز لحالة الأمن في مصر. وهو بالتأكيد مستهدف من الجماعات الاجرامية التي تريد إشاعة الفوضي في البلاد وتشويه صورتها الأمنية في العالم ليتحقق أهداف أعداء الوطن في الخارج والداخل.. لكن كل هذه الاعتبارات لا تستدعي الإسراف في الاعتماد علي العنصر البشري في عمليات التأمين لأن أخطاءه كثيرة وهفواته متكررة وثبت أن الاعتماد عليه وحده لا يكفي.
****
والواقع أن وزارة الداخلية تحتاج الي إعادة نظر في المنظومة الأمنية لمنشآتها وأكمنتها كلها. فليس من المقبول إغلاق شوارع مناطق حيوية وإعاقة حركة السير فيها لمجرد تأمين مبني في الوقت الذي تترك فيه أكمنة الشرطة المرتكزة والمتحركة بلا أغطية أمنية مناسبة مما يؤدي الي تساقط الضباط والأفراد بشكل مؤسف في كل محافظات مصر وخاصة المناطق المستهدفة من الجماعات الارهابية كما هو الحال في شمال سيناء.
ليس معقولا أبدا أن نؤمن مبني شرطي بمتاريس وحواجز وقوات أمن وبوابات متدرجة ثم نترك كمين شرطة في الشارع بلا تغطية أمنية مناسبة. وهذا موجود للأسف في العديد من المواقع وهو ما جعل بعض ضباط وأفراد الشرطة صيدا سهلا لجماعات الارهاب التي تكرر جرائمها ضد عناصر الشرطة بنفس الاسلوب وبنفس الطريقة دون اتخاذ الاحتياطات المناسبة من جانب الشرطة.
****
لقد فقدت مصر خلال السنوات الثلاث الماضية عددا كبيرا من خيرة شبابها الذين شاءت الأقدار أن يعملوا بجهاز الشرطة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ مصر. واحتسبناهم جميعا عند الله شهداء أبراراً رغم الألم الذي لا يزال يعتصر أسرهم. ولذلك ينبغي أن يكون هدف التأمين الأول عند وزارة الداخلية الآن هم عناصر الشرطة وليس المنشآت والمعدات التي هي بالفعل مؤمنة ولا تحتاج الي وسائل تأمين إضافية.
ضباط وأفراد الشرطة الذين يتساقطون علي يد جماعات الارهاب في شمال سيناء يحتاجون الي المزيد من التأمين والاحتياطات الأمنية خاصة أن حيل وأساليب الارهابيين لاستهدافهم متنوعة ومن الممكن مع مزيد من الوعي الأمني والاحتياطات تفادي الكثير منها.
ضباط وأفراد الشرطة الذين يؤدون واجباتهم لحفظ الأمن في الشوارع يحتاجون الي مزيد من التأمين. ولا ينبغي التهاون مع المنفلتين والمنحرفين من المواطنين الذين يتعاملون مع هذه الأكمنة باستهتار. فقد مضي عصر المحسوبية والواسطة والفساد الذي يعطي لراقصة حق إهانة ضباط وأفراد شرطة دون التعرض للمساءلة القانونية لأن نقابتها تدافع عنها وتملأ الفضائيات ضجيجا.
لقد فقدنا ضباط شرطة ينتمون لأسر مكافحة ومحترمة نتيجة الاستهتار في التعامل مع الأمن من جانب بعض المنحرفين والمخمورين الذين يجدون من يحميهم. وللأسف يضيع حق هؤلاء الضحايا من الضباط والأفراد كما حدث مع ضابط الشرطة الشاب¢زياد محمد جاد¢ الذي قتله مخمور بسيارته أثناء وقوفه لضبط الأمن في كمين بمدينة نصر فجرا. وخرجت أسرته منذ أيام في بعض الفضائيات تصرخ وتطالب بالقصاص من القاتل المخمور الذي يجد من يحميه ويحاول إضاعة دم الشهيد.
لا أعتقد أن وزارة الداخلية يمكن أن تفرط في دم أبنائها الذين يتساقطون علي يد الارهابيين وأيضا علي يد المنفلتين هنا وهناك.. وهي مطالبة بالثأر العادل لأبنائها عن طريق ضبط هؤلاء القتلة وتقديمهم للعدالة. وعدم التهاون مع مجرم أيا كانت صفته أو الذين يقفون من ورائه.
دم الشهيد زياد الذي قتله مخمور في كمين مدينة نصر منذ أسابيع في رقبة وزير الداخلية.