سألتني الملحقة الثقافية لسفارة الصين عن الأسباب وراء تراجع السينما المصرية الآن وكانت رائدة دوما في الاقليم العربي.
جاء السؤال في معرض حديثها عن السينما الصينية الجديدة والأجيال التي ربما تعتبر الجيل الثامن بعد الجيل الرابع والخامس الذي أذكر منهم المخرج العالمي الفذ زانج بيمو الذي زارنا بدعوة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة قبل الأخيرة.
انه الآن يعمل كمصور ومخرج وفنان مبدع ومتفرد في إخراج عروض فنية موسيقية راقصة وبفرق متقدمة جدا في فنون الرقص والموسيقي يتم تصويرها في الأماكن الطبيعية في ربوع الصين المترامية.. أي ان المشهد الطبيعي يشكل خلفية لهذه العروض تمنحها بالضرورة ثراء بصريا وزخما جماليا رائقا يمنح المشاهدين فسحة للعين ورياضة للروح وسط تابلوهات رائعة الجمال من صنع الطبيعة إلي جانب الابداع الفني لفنان يمتلك حاسة بصرية وحساسية مرهفة تلتقط مظاهر الجمال الخام يغذيها ويقويها بإبداعات الفنان وتطور التكنولوجيا والتي تغازل وتستثير حاستي السمع والبصر عند المستقبل وتقوي ضمنيا الانتماء والروح الوطنية لدي الشعب الصيني وترفع قيمة هذا البلد خارج حدوده.
ولم استطع الرد علي سؤالها حول تراجع السينما المصرية لأنني فعلاً لا أملك إجابة محددة.. فعلاً لماذا؟؟
هل لأن الفيلم كوسيط ترفيهي يعجز عن تحقيق النجاح التجاري الذي يضمن استمرارية صناعه وبالذات المنتج أو ان الصناعة لا تحظي بالعدد الكافي من المنتجين الداعمين لوسيط الفيلم إلا باعتباره عملا للترفيه الاستهلاكي السريع محدود القيمة.
لقد أثبتت السنوات القليلة الماضية ان الفنان السينمائي المصري يستطيع بالفعل تقديم أعمالا جيدة المستوي فنيا وقادرة في نفس الوقت علي الوفاء بعنصر الترفيه من دون الهبوط إلي درجة الابتذال والاسفاف.
فهل لم يعد الفيلم المصري قادرا علي الصمود أمام الدراما التليفزيونية التي تضخ فيها رءوس أموال كبيرة وتوزع علي عشرات القنوات التليفزيونية؟!
إذن لماذا لا يتجه جزء من هذه الأموال إلي صناعة الفيلم؟ علماً بأن الانتاج يباع لاحقا إلي القنوات التليفزيونية التي أصبحت تستوعب الانتاج السينمائي كله القديم منه والحديث.
لقد انتهي زمن "القطاع العام" بالنسبة لصناعة الفيلم ولا يوجد قطاع عام في سينمات السينما المتقدمة. ربما توفر الدولة أحيانا دعما لوجستيا للانتاج الضخم الذي يتناول موضوعات قومية كبري مثل الحروب التي تخوضها الدولة دفاعا عن أمنها القومي أو تمجيدا لكبريائها العسكري وفي كل الأحوال للدعاية عن قوة الدولة ومؤسستها العسكرية مثلما يحدث في بعض الانتاج الهوليودي.
هناك مؤسسات ثقافية وصناديق لدعم الأفلام والتجارب السينمائية الخاصة ولهذه الجهات شروط ومواصفات للفيلم وبالتأكيد ليس من هذه المواصفات أن ينتمي العمل إلي نوعية العمل الاستهلاكي التجاري.
ونحن لا نريد ولا نشجع تجربة فاشلة أخري مثل تجربة فيلم "المسافر" للمخرج أحمد ماهر الذي تكلف ملايين دفعتها الدولة ولم يحقق ملاليم ولم يفز برضاء الجماهير ولا المهرجانات الدولية أي انه لم يعد بربح مادي أو أدبي ولم يغط تكلفته ولم يوفر لصانعه سمعة فنية تضمن له عملا آخر.
ما الذي يجعل الانتاج المصري أقل كميا عن سنوات سابقة.. هل اختلاف السوق ومزاج الجمهور المستهلك لسلعة الفيلم؟!
هل السنوات العجاف التي ارتبطت بما يسمي الربيع العربي تحولت إلي خريف سينمائي عاصف بمكتسبات صناعة كانت رائجة ومستبدة وسط محيطها العربي والإقليمي.
هل ثمة ظروف مؤقتة تنجلي مع الوقت وبعدها تنطلق الصناعة؟؟ هل نحتاج إلي تفكير من خارج الصندوق أو إلي جيل جديد يجد دعما من الجمهور وتشجيعا من قبل الجهات المنوط بها تشجيع الأعمال الفنية المحترمة.
فعلاً لا أمتلك إجابة.. ولكن أشعر بالغيرة من فنان مثل زانج ييمو حريص علي تخليد وطنه المكان والزمان والتاريخ والجغرافيا بلغة الفن.