الوطن
أمانى هولة
غداً سترفرف الأعلام
للأعلام حكايات كثيرة عبر التاريخ، معانيها تفوق كثيراً ما قد تحتمله قطعة من النسيج المرسوم، البداية هنالك فى أراضى الهند حيث سحر حضارات قامت على رؤوس الحراب، فكانت وما زالت الأعلام رمز الانتماء لجماعة، فكرة، أرض، أو حتى حالة شعورية، فللفرح رايات بألوان بهجة الحياة، وللخطر ألوية سوداء بحلكة الموت فى غياهب بحر مظلم، وكما ترقص مداعبة الهواء فرحاً تنكس الرايات حزناً على موت أو فاجعة، حتى للآثام والخطايا رايات مصبوغة بحمرة ليال رخيصة ليس أرخص منها سوى صويحباتها، كانت دليل مضاربهن فى عصور الجاهلية.

وللرايات عِلم معترف به (علم الرايات Vexillology) حيث لا تكمن أهميته فى ذاته ولكن فى رمزيته، فعلى صوارى الأعلام مات الأبطال، وبرؤيتها خفاقة التهب حماس الجنود وعلى هديها تقدمت الجيوش وتغير مصير أمم.

أتذكر أول جندى رفع علم مصر فى 73 وكيف ظل العدو يطلق عليه النار بضراوة، فرؤية العلم كانت أكبر حافز لجنودنا، لكنه لم يحاول الاختباء للنجاة بحياته وظل ممسكاً بعلم مصر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة حتى تولى زميله باقى المهمة الجميلة، وهى لقطة أرشيفية لجندى مجهول لم يستدل حتى على اسمه، لعله يرانا الآن من عالم الخلود ويعرف أننا لم ولن ننساه، وتتوالى رفرفة الأعلام بطول السد الترابى على يد الأبطال محمد العباسى والبطل محمود نافع وغيرهما ليكونوا وقوداً لهمم أبطالنا الذين لم يتأخروا أبداً.

ولصديقى أكمل أحد الطيور المهاجرة حكاية مع العلم، حيث كان يمثل شركة تقوم بتوزيع أشهر نوع جبن فى العالم، وأثناء زيارته للمصنع العملاق الذى يبدو كدولة كاملة فوجئ فى صدر الساحة الكبيرة للمكان على صارٍ ضخم بعلم فرنسا وبجواره علم مصر، كحفاوة به وتحية عرفان منهم، لأن شركته حققت لهم أكبر المبيعات، ابتسم وهو يحاول إخفاء دموع حنين ليس لها مكان فى دنيا رجال الأعمال.

بل اسمحوا لى أنا أن أسألكم أمام كل هذا اللغط المثار هل رفعت هذه السيدة البسيطة يوم 25 أبريل علم السعودية فوق قصر الاتحادية مثلاً أو قصر عابدين؟ هل ألقت بيان الاحتلال السعودى لمصر؟ وهل هى ذات حيثية أو تمثل جهة سيادية؟

كما نفعل فى مراسم الاستقبال الرسمية برفع أعلام الدولة الضيفة بطول الطرق وعرضها قامت تلك السيدة البسيطة بعمل مراسم شعبية على طريقتها، فالموضوع يرمز إلى أننا يد واحدة وبلد واحد وشعب واحد، بلا نزع ملكيات ولا فقد هويات، ولا توقيع تنازلات، وقد قُضى الأمر ولا أعتقد أن أحداً ينتظر علاوة أو منحة إضافية، إنه فقط الود الجميل والحب الصادق، فلم إثارة الضغائن والفتن وإهانة أخ وحليف قوى ساندنا بإخلاص وليس له ذنب أصلاً فى تصرف بسيط حملناه أكثر كثيراً مما يحتمل و(الله يرحم) أعلام ريال مدريد وبرشلونة وإيطاليا وفرنسا (اللى ياما خدّلت) أذرع شبابنا من أجل مباريات لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وحتى بعيداً عن الرياضة ما أكثر ما خفقت أعلام فلسطين وتونس واليمن وسوريا فرحاً بها أو حزناً عليها وتضامناً معها حتى عندما وقف مرسى يلوح بعلم الثورة السورية، لم نسمع أحداً يعترض، وتشهد أسوار السفارة الإيطالية على ما فعله شبابنا حاملو أعلام إيطاليا تضامناً مع ريجينى.

فلنتوقف عن الترويج لمعارك وهمية يبثها أعداء الداخل والخارج يتلقفها البسطاء والتائهون، لتفتح شهية الحمقى من الطرفين، فترسب مرارات المهانة والجفاء، فلدينا ما يكفى من تحديات، ولننظر للأمام، فكلما زادت الأعلام كانت دليل كثرة وقوة واتحاد، وليعلم القاصى والدانى أن بسمائنا الشامخة مساحات رحبة دائماً حيث تغرد طيور السلام، فيها للأخوة والحب غداً سترفرف الأعلام.



تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف