الأهرام
ابراهيم حجازى
شعــب مصـــــــر العظيــــم.. «إنت فيــــن»؟!
كل سنة ومصر العظيمة إلى آخر الزمان فى خير بمناسبة عيد القيامة المجيد أعاده الله علينا جميعاً .. آقباطًا.. ومسلمين.. ونحن آمنين متحابين متسامحين متراحمين.. يجمعنا العطاء ويوحدنا الانتماء ويصهرنا الفداء.. فداء وطن يستحق منا التضحية لأجل أن يكون بنا أعظم الأوطان.
..............................

>> فى عيد تحرير سيناء الذى أراده الله متزامناً مع عيد القيامة المجيد.. كل سنة ومصر المحروسة طيبة عصية صالبة عودها فى وجه تحديات الدنيا كلها التى تواجهها!. تحديات مستحيلة لكننا لها وسنقدر عليها بإذنك يارب العالمين.. لأن سيناء التى نحتفل بعيد تحريرها هى الأرض التى نستلهم منها القوة والعزيمة والإصرار والشموخ والعزة والفداء!. هى الأرض القاسية على أعدائنا الحانية على أبنائنا. هى الرمز الصلد الذى لم يهتز يوما على مر التاريخ. هى بوابة مصر الشرقية من آلاف السنين التى صدت غزوات من كل البشر وانتصرت!. هى اليقين الذى لا يقبل شكاً فى القدرة على الانتصار مهما كانت الصعاب. هى جهنم الحمراء على كل من يعادينا وواحة خير لكل أهالينا!.

من سنوات بعيدة.. بعيدة.. لا أعرف تحديداً عددها.. وسيناء مكان ومكانة فى تاريخ مصر العريق وما من أحداث فارقة فاصلة إلا وسيناء جزء منها..

هل تلك المكانة العظيمة لأنها أرض لا مثيل لها على سطح الأرض؟.

أى أرض فى العالم بأسره تجلى الله سبحانه وتعالى عليها بنوره العظيم وصوته العظيم؟ إنها سيناء!.

أى أرض على الأرض شَرُفَت بوجود هذا العدد من الأنبياء عليها؟ إنها سيناء!.

أى أرض بالعالم شهدت كل تلك المعارك الحربية؟ إنها سيناء!.

سيناء.. أطهر وأشرف وأعظم أرض فى العالم!. سيناء أرضنا وشرفنا وأمننا وحاضرنا ومستقبلنا من 5200 سنة وليس من اليوم!. سيناء ألف حكاية فى حكاية عبر آلاف السنين .. تعالوا لنتعرف على بعض ملامحها من خلال هذه النقاط:

1ـــ الفراعنة تركوا لنا فى سيناء حوالى 36 قلعة فرعونية أهمها قلعة طرابيل الخادم بجنوب سيناء وفيها كانت تقام مراسم تعميد فرعون مصر. وفى جنوب طابا على خليج العقبة توجد جزيرة فرعون ووجودها تأكيد على أن سيناء مصرية من 5200 سنة!.

فرعون مصر مينا مُوحِد القطرين كتب وصاياه على ألواح المرمر وهى موجودة وفيها يوصى أبناءه بألا يفرطوا فى حبة رمل من أرض مصر الموحدة.

2ـــ بعد 1700 سنة أى قبل 3500 عام جاء تحتمس الثالث الذى وصفه الأمريكان بأنه نابليون العصر القديم وأعظم قائد عسكرى عرفه العالم وقتها. تحتمس الثالث هو من أنشأ طريق حورس أو طريق الحملات «حالياً المحور الشمالى» وهذا الطريق عليه كانت تخرج الحملات العسكرية لفض أى غزو قبل وصوله إلى أرض مصر!. تحتمس الثالث هو صاحب نظرية .. أمن الوطن يبدأ من الحدود البعيدة لدول الجوار.. ومن هذا المنطلق قاد جيوشه وواجه الحوثيين فى الشام باعتبار غزوهم للشام تهديداً لأمن مصر!. السلطان قطز لم ينتظر وصول التتار إلى حدود مصر إنما توجه بالجيش إلى عين جالوت فى فلسطين وهزمهم هناك بعيداً عن أرض مصر.

3ـــ فى العصر الإسلامى أرسل الخليفة عمر بن الخطاب جيشاً لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص الذى توقف بجيشه عند منطقة اسمها المجرونتين شرق العريش ووصلته رساله من أمير المؤمنين ليعود إن كان لم يدخل مصر!. وسأل ابن العاص فعرف إنه فى مصر.. فأرسل للخليفة يخبره أنه بالفعل فى مصر.. وجاءه الرد .. إن كنت دخلت مصر.. يسعدك الله ويمهد طريقك.. ومن وقتها أُطلِقَ اسم المساعيد على المدينة ومازال للآن.

4ـــ من مطلع القرن الماضى وسيناء مطمع للعالم ومحاولة استقطاع جزء من سيناء وضمها إلى فلسطين حدوتة قديمة جديدة!. تيودور هيرتزل مؤسس الدولة الصهيونية اقترح على انجلترا عام 1907 استقطاع جزء من سيناء وضمه إلى فلسطين!. مصطفى كامل قاد حركة قومية ضد المحاولة وتراجعت انجلترا أمام الحملة التى قادتها مصر وامتدت إلى فلسطين .

5ـــ من نكبة 1948 أصبحت سيناء جزءاً فاعلاً فى النزاع العربى ـ الصهيونى. خط المواجهة مع العدو على الحدود الشرقية لسيناء. حرب 1948 كانت أول مواجهة مع العدو. مصر كانت متوقعة وجاهزة وجيشها كان موجوداً فى سيناء وعندما أعلن الصهاينة قيام دولتهم يوم 14 مايو 1948.. الجيش المصرى كان داخل فلسطين يوم 15 مايو وواصل تقدمه إلى أن أصبح على بعد 25 كيلو متراً من تل أبيب..وعندما بات واضحاً تفوق العرب.. تدخلت الدول الكبرى وأعلنت الهدنة أى توقف القتال يوم 11 يونيو ورضخت الدول العربية للقرار لأن الدول الكبرى أعلنت دخولها الحرب ضد من لا يقبل الهدنة!. خلال الهدنة وصل فلسطين 60 ألف متطوع من جميع دول العالم يحاربوا مع الصهاينة!. وصل سلاح وذخيرة من كل دول العالم للصهاينة .. وقبل المتطوعين والسلاح تأييد كل دول العالم لقيام دولة الصهاينة على وطن الفلسطينيين.. وبالقوة قامت الدولة الصهيونية!

6ـــ بعد حرب 1948 دارت أربع حروب مع العدو. أولها حرب 1956 وثانيها حرب 1967 وثالثها حرب الاستنزاف 500 يوم متواصلة من 1968 والرابعة حرب اكتوبر 1973.. والحروب الأربعة سيناء كانت مسرحاً لها رغم الاختلاف الجذرى بينها!.

7ـــ حرب يونيو 1967 هى حرب القرارات الخطأ!. هى الحرب التى انتهت إلى هزيمة لا نستحقها!.

قدر الله وما شاء فعل. الهزيمة جاءت بالعدو على شاطئ القناة!. الهزيمة أضاعت 61 ألف كيلو متر مربع هى مساحة سيناء!. الهزيمة كشفت «مواقف» البعض المحسوب علينا بأنهم «أشقاء»!. باختصار هزيمة يونيو سحابة صيف سوداء حلّتْ وظلّتْ ومعها وبها كل شىء أسود فى نظرنا وسمعنا ومذاقنا!.

8ـــ عبقرية شعب رفض الهزيمة!. شعب قدم شبابه إلى جيشه لتحرير أرض الوطن وجيش من 300 ألف مقاتل ارتفع إلى مليون و300 ألف مقاتل وما من بيت إلا وله ابن فى جيش مصر لتحرير أرض مصر!.

ونحن على بعد خطوات من هزيمة يونيو.. أراد الله خيراً لنا!. العدو قد قرر الاستيلاء على بور فؤاد لتصبح سيناء كلها فى قبضته.. لكن القدر كان له ترتيب آخر!. العدو تقدم بطابور مدرع رهيب لاحتلال المدينة.. ونحن دفعنا بـ 30 مقاتلا من الصاعقة فى نقطة رأس العش لمنع أى تقدم تجاه بور فؤاد.. ودارت معركة غير متكافئة أرادها الله لنا لنعرف أننا نقدر على الجيش الذى لا يهزم!. العدو فشل بعد 7 ساعات قتال أن يتخطى رأس العش وانسحب بعدما عرف أن المصريين لحمهم شديد المرارة!.

9ـــ معركة رأس العش بددت سحابة يونيو السوداء وفجرت طاقات أمل لا سقف لها واعطتنا القوة على تخطى مرحلة التصدى والصمود والتحول إلى الهجوم!. دمرنا المدمرة إيلات ودمرنا الحفار فى ساحل العاج ودخلنا ميناء إيلات بالضفادع البشرية ثلاث مرات ودمرناهم وضربنا إيلات المدينة بالصواريخ وأعلنا حرب الاستنزاف وكانت 500 يوم أسود عليهم!.

استسمح حضراتكم فى وقفة صغيرة لتكونوا على يقين بأن الصمود والفداء والتضحية والشموخ والولاء والانتماء ليست وليدة حدث طارئ إنما هى جزء أصيل من الشخصية المصرية وسمات تتوارثها الأجيال!. رأس العش الملحمة حدثت يوم الأحد 1 يوليو 1967.. بعد 48 سنة نفس الملحمة حدثت يوم الأربعاء 1 يوليو 2015 الموافق 12 رمضان والمكان كمين أبو الرفاعى فى نطاق الشيخ زويد. معركة طاحنة مخطط لها بعناية وبإمكانات رهيبة وبأعداد إرهابيين مرتزقة تفوق الخيال وبإعلام خارجى جاهز لتصوير أحداثها!. كانت بالنسبة لمن خطط لها مسألة وقت ويتم تنفيذ ما تآمروا عليه!. كل شىء خططوا له باحترافية واضحة.. لكن لم يخطر على بالهم شىء واحد.. هو أن الموجودين فى الكمين خير أجناد الأرض!. 23 مقاتلاً وقائدهم الملازم أول أدهم الشوباشى.. ملحمة فداء رأس العش هى نفسها فى كمين أبو الرفاعى أكثر من خمس ساعات قتال رهيب سقط خلالها 15 شهيداً من الكمين ومع ذلك فشلوا وانهزموا وفروا هاربين حاملين معهم ما قدروا على حمله من الجثث وتركوا خلفهم 56 إرهابيا قتيلاً!.

10ـــ إنها سيناء الأرض العصِية على كل معتدى!. إنها سيناء الأرض التى ألهمت مصر كلها القوة والعزيمة والإصرار يوم وقعت أسيرة للصهاينة فى يونيو 1967!. إنها سيناء التى فجرت كل طاقات المصريين ليقفوا فى وجه المستحيل إلى أن قهروه فى أكتوبر 1973!. إنها سيناء التى وحدت المصريين على هدف واحد لابديل له.. حتمية تحرير سيناء!. هدف مستحيل أجمع العالم كله على أنه المستتحيل بعينه!. كل الظروف ضدنا!. مانع مائى هو الأكبر فى تاريخ الحروب! ساتر ترابى على الضفة الشرقية بطول 160كيلو!. خط بارليف الدفاعى المكون من 31 نقطة قوية وكل نقطة مساحتها 40ألف متر ومحصنة بما لا يخطر على بال بشر!. كل العالم أجمع على أن الحرب معناها هلاك جيش مصر.. كل العالم المساند للعدو يقينه ذلك.. وأيضاً كل العالم لم يضع فى حسبانه المقاتل المصرى!. كل العالم لم يدرك أن سيناء من أرضها تشع القوة والعزيمة ومنها نستمد الجرأة والشجاعة!. سيناء لم تكن أرض الوحى للأنبياء فقط.. إنما امتد وحيها الى عقول وصدور شعب مصر.. ومن يقدر على هذا الشعب العبقرى العظيم إن توحد .. وسيناء جمعت المصريين على قلب رجل واحد فسقط المستحيل وتحقق الانتصار!.

11ـــ هذه حكاية أخرى من سيناء وقعت يوم 26 أكتوبر 1968 .. حكاية تم نسيانها رغم أن الأحداث العظيمة فى تاريخ الشعوب حتماً لا تنسى لكننا دائما ننسى !. الشعوب الواعية تطبع مثل هذه الأحداث العظيمة فى عقول ووجدان أبنائها ليتوارثوها جيلاً بعد جيل.. لأنها المَدد فى أوقات الشدة.. لأنها النور الذى يبدد الظلام!. يوم 26 أكتوبر 1968 واحد من أيام مصر العظيمة الذى تجلت فيه أصالة شعبها العظيم!.

فى هذا اليوم وجهت قوات العدو فى سيناء الدعوة لوكالات الأنباء العالمية ومراسلى صحف وتليفزيونات العالم إلى مؤتمر صحفى عالمى يعقد فى الحسنة وسط سيناء. المؤتمر سيعلن فيه موشى ديان مفاجأة للعالم!. قوات العدو رتبت لهذا المؤتمر وأحضرت شيوخ وعواقل قبائل سيناء ليعلنوا المفاجأة التى ستفحم مصر!.

العدو فى سرية بالغة قام بكل الترتيبات وما من ثغرة إلا وحل لها.. كل شىء مضمون وكلها ساعات وتفقد مصر سيناء كلها!. لم يترك العدو شيئاً للمصادفة.. وكالعادة نسى العدو أن يضع فى حسبانه أصالة وشهامة ورجولة المصريين!. لم يعمل أى حسابات لجيش مصر وقيادات جيش مصر.. ظناً منه أنهم فى غيبوبة وكيف سيعرفون ما يخططون له فى قلب سيناء!. الذى لم يعرفه الصهاينة ولا تعرفه أمريكا المنحازة على طول الخط للصهاينة أن المصريين يعشقون تراب وطنهم ومستحيل أن يفرطوا فى الوطن!. الذى لم يفهمه الصهاينة ولن يفهموه أبداً.. أن سيناء الأرض والسماء والبشر.. أرض مصرية وكل حبة رمل فيها مصرية وكل من يعيش عليها مصرى.. وكل الترتيبات البالغة السرية معروفة للمخابرات الحربية حرف حرف.. لأن رجالها موجودون فى أرض سيناء!.

بدأ المؤتمر الصحفى العالمى فى حضور كل الإعلام الغربى.. شيوخ وعواقل سيناء جالسون والشيخ سالم القرشى كبيرهم المتحدث باسمهم. الذى أراده الصهاينة وسايرهم الشيخ سالم فيه أن يعلن للعالم رغبة أهالى سيناء فى تدويل سيناء!.

وقف الشيخ سالم.. أمسك بالميكروفون وساد الصمت وانحبست الأنفاس انتظاراً للقنبلة التى سيفجرها!.

الشيخ سالم القرشى أعلن للعالم مقولة أظنها دخلت التاريخ!. قال: سيناء أرض مصرية وستبقى مصرية ومن يريد التحدث عن سيناء يتكلم مع زعيم مصر جمال عبد الناصر.

علت الهتافات وسط ذهول إعلام الغرب وحاول الحاكم العسكرى الصهيونى لسيناء أن يفعل شيئاً.. أمسك بالميكروفون وبصوت عال قال: غير الموافق على كلام الشيخ سالم يرفع يده.. وجاءت الصفعة الثانية ومن يرفع يده ليؤيد الصهاينة.. وانفض المؤتمر بأكبر خيبة أمل للعدو الذى خطط لكل شىء وأعماه الله عن إدراك أصالة شعب مصر العظيم!.

12ـ الاحتفال بعيد سيناء الـ 34 ليس فقط مناسبة للتهنئة بيننا بكلمتين وخلاص!.

الاحتفال بعيد تحرير سيناء فرصة ما أحوجنا لها فى هذه الأيام الصعبة لأجل قراءة جديدة فى أحداث نسيناها!. فرصة لنتذكر أن مصر بعد هزيمة 1967 عاشت الأوقات الأصعب فى حياتها والتى لم تشهد قبلها أو بعدها.. مثلها!. مصر فى هذه الفترة صلبت عودها ووقفت على قدميها بالمصريين الذين أوجعتهم الضربة لكنها لم تكسرهم لأنهم مصريون!. الشعب وقفته ومواقفه أيامها يجب أن يستلهمها الشعب فى هذه الأيام الصعبة التى لم ترق لتكون الأصعب!، الشعب بفطنته الفطرية لم تخدعه أو تنطل عليه الحرب النفسية القادمة له من الخارج عبر إذاعة لندن!. الشعب أدرك أنه لو تم استدراجه للجدل حول المتسبب فى الهزيمة ستمزقه الخلافات والفتنة والكراهية وستبقى الهزيمة!. الشعب لم يبتلع الطعم ووقف خلف زعيمه جمال عبد الناصر رافضاً تنحيه عن الحكم ليبقى قائداً لمصر لأجل النصر!. الشعب لم يكن دعمه للزعيم كلاماً إنما أفعالاً!. الشعب قرر أن يضحى لأجل استرداد الأرض!. وقفة الشعب لم تكن هتافات فى الهواء إنما كانت تصرفات وسلوكيات فعلية عملية!. يوم من راتبه كل شهر للمجهود الحربى!. الشعب هو الذى ارتضى باقتصاد الحرب رغم قسوته!. العثور على زجاجة زيت أكل مسألة صعبة.. لكن كله يهون فى سبيل الوطن!. الشعب ثقته بلا حدود فى جيشه ودعماً بلا سقف لجيشه!. الشعب بوقفته العظيمة هو من زرع بذرة الانتصار فى رحم الهزيمة!. وحصد بشائر النصر أسرع مما توقع فى رأس العش وإيلات وحرب الاستنزاف!. الشعب رأى بعينيه أكتوبر وهو يقترب!.

... وتحقق نصــــــر أكتوبـــــــر 1973 بمشيئــــــة اللــــــه وشجاعـــة جيـــــش عظيـــــم فى ظهـــــره شـعب أعظـــم.

.......................................

.......................................

شعب مصر العظيم «انت فين» ياحبيبى...

تحية إلى جيش مصر العظيم فى الأمس واليوم والغد وكل غد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف