عباس الطرابيلى
هموم مصرية- برافو.. عم عمرو!!
رغم أننى لم أعد أضحك لكثير من رسامى الكاريكاتير المصريين، كما كنت أضحك أيام العباقرة: عبدالمنع رضا. صاروخان. وعبدالسميع ثم من جاء بعدهم مثل صلاح جاهين وطوغان. وجمعة فرحات. إلا أن عمرو عكاشة شدنى ـ ومنذ محاولاته الأولى منذ جاء المحروسة غازياً وفاتحاً.. قادماً من الغربية، وكثيراً ما كنت أتعجب من أسباب حرمان القارئ المصرى من مواهبه المتعددة ـ المتناقضة أحياناً.. مثل هوايته للسيارات وموديلاتها، وكنت أرى فيمن حاولوا إطفاء لمعانه وأفكاره، أرى فيهم أنهم من أعداء النجاح.. الى أن جاءت القيادة الجديدة ـ الواعية والأكثر فهماً لعمق أفكاره.. فأعادته الى الصفوف الأولى، حيث يجب أن يكون.
<< وعمرو عكاشة من رسامى الكاريكاتير الذين يفكرون.. ثم يعبرون عن أفكارهم.. بالرسم.. ذلك أن كثيراً من الرسامين يحتاجون لمن يفكر لهم.. وهم يكتفون بالريشة.. وبسبب نقص فئة الرسامين الذين «يفكرون.. لأنفسهم» ويرسمون فقط بريشتهم.. وجدنا فى المؤسسات الصحفية الكبرى «مجالس رسامى الكاريكاتير» وهى تجتمع يوميا تضم عباقرة النكتة.. وعباقرة الرسامين.. وليس غريباً أن أخبار اليوم كانت فى مقدمة هذه المدرسة. وكان مجلس الكاريكاتير يضم على ومصطفى أمين وكامل الشناوى ومحمد عفيفى.. بجانب الرسامين الكبار، للاتفاق على «نكتة اليوم» وليس سراً كذلك أن عبقرية الفنان، مصطفى حسين كان وراءها العبقرى اللاذع أحمد رجب وهكذا وجدنا عبقريات هذا الثنائى الرائع.
<< وأمس «الجمعة» شدنى كاريكاتير الفنان ذى الأخلاق الحميدة.. كثير الأدب، عميق الذوق، عمرو عكاشة.. ووقفت طويلاً أمام عبقريته علي الصفحة الأخيرة من «الوفد» بعددها أمس.. كانت عبارة عن شجرة، ولا شجرة جميز.. ضخمة. عملاقة. والجميز هى أضخم الأشجار المصرية قاطبة.. وعليها ـ على جذعها ـ كلمة و احدة: الفساد، «بينما جذورها ـ مثل العنكبوت ـ تمتد وتتوغل الى كل مكان. والجذور أكثر من الفروع. وهذه الجذور تحتل المساحة الأكبر من الرسم أى تعبر عن امتدادها الى كل مكان.. جذور متشعبة فى كل الأرجاء.. فماذا تنتج هذه الجذور المتوغلة المتغلغلة حتى أعماق العمق.
<< بالطبع لا تنتج إلا الجماجم. وإلا الموت.. أى النهاية.. وكأن هذا الفنان الرائع يريد أن يقول لنا «إن هذه هى حالنا الآن نحن كل المصريين.. فساد متوغل فى أعماقنا.. وجذع شجرة عملاقة فماذا تطرح لنا.. إلا الفساد؟!
كأن عمرو عكاشة يقول لنا: لن تحصدوا إلا ما تزرعون.. ولما كنا عجزنا عن زراعة الطيب.. فلن نحصد طيباً. إنه كاريكاتير بألف مقال.. وبرافو عمرو عكاشة.. ما أبدعك!!