نولد أبرياء أنقياء ملمسنا كالحرير قلوبنا اصفي من السماء عيوننا تلمع بحق ونقاء لا نعرف إلا الحب ونحاط برعاية الجميع ونرد علي أي كلمة حتي لو لم نفهمها بضحكة بريئة مغلفة بخجل لم تلوثه الأيام لا يشغلنا كثيرا العالم وتقلباته حروبه وانكساراته. صفقاته وانتصاراته. لا نلقي بالا لمن يكرهنا بلا سبب فلا يحتل عيوننا إلا من نشعر بحبهم نجري ونلقي أنفسنا في احضانهم بلا تردد أو خوف فلم نفعل بعد ما نستحق عليه الحقد أو الكراهية لم نعلن بعد عن طموحنا فيغار منا الرفقاء ولم نتنافس بعد حتي يصبح لنا أعداء.
مع مرور الأيام نبتت بذور الخير سعيا نحو الكمال وبدأت شجرتها في الارتفاع جذورها رضا الله ومحبة أبي وأمي وجذعها أن أكون رجلا صالحا يفخر به جميع من يعرفه أو لا يعرفه وفروعها مرصعة بالطموح والأمل والرغبة في النجاح وأن أصبح رقما إيجابيا وفاعلا. ورغم ادراكي أن العالم خلقه الله ثنائي الأقطاب فيه الخير والشر. الأرض والسماء. الحب لوجه الله والكراهية دون سبب منطقي سوي الحقد البغيض إلا أن التجارب علمتني ان الناس الوان وأنواع ليس كما عهدتهم في طفولتي فلن تجد من يهبك الحلوي محبا متبرعا متطوعا ولن تجد من يعلمك اية من القرآن مخلصا عارفا لفضلها في اكسابك مكارم الاخلاق ولن تجد من يلاطفك ويضمك إلي صدره ماسحاً دمعتك ومهونا عليك الدنيا صدقا واخلاصا فالتنافس يفقد الناس اخلاقهم إذا لم تكن نفيسة وأصيلا والرغبة في النجاح والوصول إلي القمة والسلطة قد تشعل الحقد والغيرة في قلوب من لا يمتلكون الأدوات الحقيقية لتحقيق ذلك والصراع من أجل الوهم قد يدهس اصحاب الإيمان الضعيف لكن التجربة اتثبت إن رجلا فقيرا عابرا لسبيل الدنيا عارفا لربه داعيا للخير سوف يعيش في جنة الخلد أفضل كثيرا من ملك ملوك الأرض لو كان فاسدا ومن رئيس العالم لو كان حاكما ظالما فلن يفيد صراع الأحزاب والقوي السياسية والحكومة والبرلمان علي سلطة زائلة إذا لم يحركهم حب الوطن ولن يفيد تمسك غيرهم بالعودة إلي الحكم حتي لو رفعوا شعار القتل والدم والإرهاب ولن ينفع الطابور الخامس الاستقواء بالخارج واشعال النيران في جسد الوطن ولن ينجح أي نظام سياسي لا يستمع إلي معارضيه قبل مؤيديه ولن يفلح إذا تصور القائمون عليه أنهم منزهون عن الخطأ ولن ننحاز لمعارضة "غشيمة" بدل أن تقدم بديلا هحقيقيا تكتفي بانتقاد النظام والمطالبة باسقاطه كل هؤلاء وما يستخدمونه من أساليب مشبوهة جعلت شعبنا يرفع لهم الكارت الأحمر ولم يعد مقتنعاً أنهم يعبرون عنه بل يجب أن نعرف أن حب الناس مثل الشجرة تحتاج إلي من يرويها وإذا ذبلت وماتت ولن نشعر بالسعادة للفوز بمنصب أو سلطة عبر أساليب ملتوية ودنيئة ولن يرتاح ضميرنا عندما نزيح ظلما وعدوانا من طريقنا كل من نقابله للوصول إلي غايتنا حتي لو كانت فاسدة فإذا لم تصلح اعمالنا سنكون خاسرين مهما ظننا أننا رابحون لأن مكسبنا مجرد سراب فالأهم أن ننال رضا الله ومحبته.
فخلال طفولتي الأولي عشت في قريتي الريفية بأقصي صعيد مصر وسط مساحة تسع الدنيا وتملؤها حبا وكرما فالجميع واحد وإن مر بهم خلافات احترام الكبير واجب وتقديره أمر مقدس حتي لو لم يكن مكتمل الصفات أقول لعمي "ابويا فلان" دليل علي القرب والمحبة جميعنا تربطنا صلات النسب والمصاهرة والصداقة فلم نعرف التعالي والكبر الجميع مهما اختلفت اسماؤهم وانتماءاتهم تربطهم صلات الاخاء لا فرق بين الغني والفقير إلا بحسن الأخلاق فقد كان معيار التقييم الوحيد ورغم أنني لست ملاكاً منزها عن الهوي والخطأ ولا أدعي أنني كنت اعيش في المدينة الفاضلة لكن عندما كبرت تمنيت أنني لم اكبر وعندما اشتد بي عراك الدنيا وشاهدت خداعها وسوء مشاعرها عندما عصرني ألم العاصمة وفجرها عندما شاهدت كفرها وغدرها عندما أيقنت لوعها في عشقها. ونذالتها عندما تبدي صداقتها. وخستها عندما لأسرارك تستودعها تمنيت لو عشت حياتي كلها في قريتي بين أسرتي وأهلي ولم أعش الغربة ولم اشعر بفرقة الأحباب فالعبرة ليس بحسن بدايتك ولكن الأهم حسن مشوارك وحسن خاتمتك وانك عندما تخطيء تعود سريعا إلي رشدك مستغفرا ربك وما يصبرني أن جدتي اخبرتني ذات يوم أن محبة الناس مفتاحها محبة الله فادعوكم جميعا إلي نشر المحبة بينكم والتكاتف من أجل العبور ببلدنا إلي بر الأمان وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي تحترم الدستور والقانون وتقوم علي العدل والمساواة.