الوطن
د. محمود خليل
السبيل (32)
كان منطق حنيفة «الاستسلام»، ومنطق فهمى «التعايش». وعندما يلتقى الاستسلام مع التعايش فحاصل الجمع يساوى حياة، حياة جوهرها الاستمرارية، مجرد الاستمرارية، لا يهم فيها لذة أو متعة، قدر ما يهم الاستمرار فى حد ذاته:

- حنيفة: صدقنى يا أستاذ فهمى! أحياناً يكون الإحساس أهم من الفهم، الأم مثلاً عندما يولد لها طفل، هل يستطيع أن يتكلم أو أن يشير إلى ما يريد؟!

- فهمى (بسخرية): لا يا فيلسوفة!

- حنيفة: بدون سخرية يا فهمى! إنها تحس به! تحس بجوعه، بألمه، برغبته فى الطعام، برغبته فى النظافة، برغبته فى النوم، برغبته فى اليقظة، وهى دائماً ما تلبى رغباته!

- فهمى: والله يا حنيفة عندك حق! مختار قرأ كتباً كثيرة تؤدى إلى فهم أعمق للحياة والأحياء، وكذلك طارق قرأ من كتب الدين ما لم يقرأه غيره، ومع ذلك فإن الكآبة ترسم وجهيهما، نادراً ما ضبطهما يضحكان! لا يستمتعان بالحياة أية متعة لأنهما لا يحسان بها، ربما كانا يفهمان ولكنهما لا يحسان، من يحس يستمتع أكثر ممن يفهم أو يتعلم، حظك حسن يا حنيفة لأنك لم تتعلمى!

- حنيفة: لا يا فهمى العلام حلو! أنا حزينة لأننى لم أدخل المدرسة، كنت أتمنى أن أكون متعلمة حتى أفهمك.

- فهمى: التعليم يا حنيفة يعلم الكآبة! مختار أخى مدرس إعدادى، ماذا يعلم التلاميذ فى المدرسة؟! إنه يعلمهم الكآبة، يعلمهم التاريخ، والتاريخ كله كآبة فى كآبة، حروب وصراعات، فتن ودماء، أشياء تؤدى إلى الكآبة! وبما أننا نخطط للمتعة يا حنيفة فدعينا الآن من الحديث عن الكآبة، نتحدث فى المتعة.

- حنيفة: متعة؟ هل تريد أن تفعل ذلك معى من أجل المتعة؟!

- فهمى: ألم أقل لك يا حنيفة إن الحب رغبة والرغبة حب، إننى يمكن أن أفعل ذلك مع غيرك، ولكنى لن أستمتع به إلا معك يا حنيفة!

- حنيفة: ما تريده سأفعله يا فهمى.

- فهمى: أريد أن أقابلك عندنا فى شقتنا.

- حنيفة: شقتكم! هل جننت؟!

- فهمى: هل هناك مكان غيرها؟!

- حنيفة: وطارق ومختار؟!

- فهمى: لا إننا سنتقابل فى وقت لا يوجدان فيه بالمنزل.

- حنيفة: صعب! صعب يا فهمى!

- فهمى: ستفعلين ذلك من أجلى يا حنيفة!

- حنيفة: إننى يمكن أن أفعل أى شىء من أجلك، ولكن.. .!!

- فهمى: ستفعلين!

- حنيفة: ربنا يسهل!

«ربنا يسهل».. يلجأون إلى الله حتى فى المعصية! عجيب أمر حنيفة والحنفاء من أهل السبيل، الله معهم فى كل شىء، فى الخير هو المعين! وفى المعصية هو الستار! والله هذا هو الإيمان! أو ربما كانت حنيفة لا تعتقد أنها ستفعل معصية! عندها حق، إننا لن نفعل معصية، إننا فى حكم المضطر! ومن اضطر لا إثم عليه، لقد قالها شيخ الجامع، عند الجوع يمكن أن يأكل الإنسان الميتة مع أنها محرمة، لا يوجد مع الجوع حلال وحرام، لا إثم فى الدنيا يعادل إثم الجوع، سأفعلها فى بيتنا وربنا يسهل!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف