أحمد عبد التواب
حزب أردوغان وجماعة المرشد.. أكثر من تشابهات
تثبت الأيام أنه لا يوجد خلاف جوهرى بين قيادات الجماعات والأحزاب المتعددة فى الداخل والخارج التى تخلط الإسلام بالسياسة، كما تتجلى درجات عالية من الاتفاق ليس فقط فى التوجهات العامة وإنما أيضاً فى الانقلابات فى المواقف التى سبق لهم أن أعلنوها بأنفسهم، أو فى الاختيارات التى كانوا يؤكدون للرأى العام، بل لكوادرهم وقواعدهم، أنهم ملتزمون بها، وهو ما يجعل من الصعب تصور أن تكون هذه السياسة تلقائية!
إن ما يحدث فى تركيا هذه الأيام هو أوضح مثل على هذه الدوامة من الانقلابات فى المواقف والأكاذيب على الشعب وعلى العالم، حتى فى بلد له تاريخ فى الديمقرطية!
لقد أعلنت قيادات حزب العدالة والتنمية، الذى ينتمى له أردوغان، أنه يجب تعديل الدستور على أن يكون الدستور الجديد إسلامياً، وقالوا صراحة إنه يجب ألا ترد فيه العلمانية، التى هى أصل أصيل فى قواعد السياسة الداخلية فى تركيا منذ أكثر من 90 عاماً!
وبهذا حسم الحزب موقفه بعد سلسلة من المراوغات عبر السنوات الماضية.
لاحِظْ أن قيادات الحزب كانت تُظهر الولاء للقيم العلمانية التركية، وفى نفس الوقت كان أردوغان يعمل على إحداث تغييرات قانونية تمنع الجيش من التدخل فى العمل السياسى بحجة أنها شروط أوروبية للالتحاق بالاتحاد الأوروبى. وقد نجح إلى حد كبير فى هذا المسار.
السياسيون من الاتجاهات الآخرى يحسون بالخطر، بعد أن تبين لهم أن أردوغان وحزبه لا يختلفون فى الاساسيات عن أسلافهم من الإسلاميين الذين لم يجيدوا فنون المراوغات والكذب، فكانوا يعلنون خلافهم المبدئى حول الدولة العلمانية مما أحدث صدامات كان الجيش يتدخل كحامى لعلمانية الدولة وفق الدستور.
وهم يقولون الآن إن الخلاف الكبير بين أردوغان وجيله من الإسلاميين وبين من سبقوهم، ليس حول أفكارهم الأساسية ولا على أهدافهم واجبة التحقق وفق عقيدتهم السياسية التى يلبسونها رداء الدين، وإنما فى أن الجدد أكثر ذكاءً ممن سبقوهم!
هذا الجمود الفكرى الذى يعتمد الكذب ولا يعتد بالرأى العام، بل لا يكترث بكوادر وقواعد حزبه، هو أصل موقف أردوغان الذى بدا للبعض غريباً فى الرفض التام لموقف الشعب المصرى فى 30 يونيو فى الإصرار على الإطاحة بالرئيس الذى كان ممثلاً لجماعة الإخوان فى حكم مصر، أو بمعنى أصح كان واجهة تحكم من خلفها جماعة الإخوان فى مصر بالتنسيق مع التنظيم الدولى للإخوان الذى ينشط فيه إخوان تركيا!
المؤكد الآن فى تركيا، أن هذا الموقف السافر من حزب أردوغان لتغيير الدستور، أشعل المعارضة ضدهم، ويعتبره بعض المراقبين سبباً قوياً لتوحيد صفوف المعارضة. لذلك صار يصعب التنبؤ بما سيحدث لاحقا، على المدى القريب وعلى مستوى السنوات القادمة.
سوف تثبت التطورات إذا ما كان حزب أردوغان يكرر حماقات الإخوان فى مصر، أم أنه خطا خطوة محسوبة يضمن أن يعبرها بسلام وأن يقترب من حلمهم القديم.
وفى كل الأحوال، فإن هذا الحدث بتفاصيله يؤكد اعتماد الأكاذيب فى فكر من يخلطون الدين بالسياسة، ليس كأداة سياسية فى الخروج من المآزق كما يحدث من السياسيين حتى فى الديمقراطيات العريقة، ولكن الكذب الخطير الذى يحصل به على ثقة الناخبين بالغش دون وجه حق، وبإخفاء الهوية الحقيقية، مما يجعل الثقة التى حصل عليها مطعوناً فيها، حتى لو لم تثبت المحاكم ذلك، وحتى لو لم تكن القوانين تُجرِّم هذا الفعل وترتب على مقترفه عقوبة.
وأما الاختلاف الكبير لتجربة الإخوان فى مصر، فهو أن المرشد وإخوانه هم أقل خبرة بحيث انفضج كذبهم بسرعة شديدة لم تتجاوز فترة أشهر قليلة، كما أن افتقاد المهارات السياسية جعلهم يقضمون ما لا يمكنهم هضمه، حتى دون تهيئة الأوضاع لتوفر لهم أن تكون كل خطوة معتمدة على أرضية صلبة، مما استفز كل القوى الأخرى والقطاعات الشعبية التى هالتها الخديعة التى صدقوا فيها الإخوان، كما أضاف إلى الغضب الشعبى ثأراً شخصياً فى بعض الحالات.
وقد يكون من المفيد، فى رصد بعض التطابق بين ما حدث فى مصر وما يحدث فى تركيا، التذكرة ببعض الأكاذيب الهائلة التى اقترفها المرشد وقيادات جماعته، مبكراً وعقب الإطاحة بمبارك، ومع الاستعدادات للانتقال إلى مرحلة جنى مزايا الثورة التى كان الإخوان أكبر أسباب إحباط انطلاقتها الأولى، بدءاً من عشرات التصريحات من زعمائهم، ثم من حزب الحرية والعدالة الذين قرروا أن يكون ذراعهم السياسى، والتى أكدوا فيها أنهم يتعاملون مع كل القوى الوطنية بشعار المشاركة لا المغالبة، وأكدوا مرات كثيرة أنهم لن يسعوا للسيطرة على البرلمان، وأنهم لن ينافسوا إلا على مالا يزيد عن 30 بالمئة فقط من المقاعد!
ثم بدأ المزاد يرتفع مع كل إحساس واهم منهم أنهم كسبوا مساحات لدى الرأى العام ورضا من المجلس العسكرى فى عهد المشير طنطاوى. وصارت الـ30 بالمئة 40 ثم 50، ثم دون إعلان قفزت إلى العمل الدؤوب على ابتلاع البرلمان كله.
وقبل أن يفيق الناس من الصدمة، أخلّوا بوعدهم الآخر القاطع بأنهم لن يرشحوا إخوانياً للرئاسة! ولكنهم رشحوا الشاطر ومعه المرشح الاحتياطى مرسى فى حالة أن ترفض لجنة الانتخابات الرئاسية ترشيح الشاطر الذى كان من المتوقع أن الشروط لن تنطبق عليه.
وأما شعارهم عن تمسكهم بالديمقراطية وعن احترامهم للدستور فلم يصمد سوى مجرد 5 أشهر حتى أعلنوا ذبح الدستور والعدوان على استقلال القضاء وتعيين نائب عام من كوادر الجماعة ليكون شرطياً ضد خصومهم السياسيين، وفى نفس الوقت حامياً لهم بتجميد الدعاوى التى تتحرك ضد انتهاكهم للدستور والقانون..إلخ إلخ.
من يصدق هذه الأيام تصريحات من الإخوان عن الرغبة فى المصالحة مع الشعب المصرى، أو ممن يتوسطون فى المصالحة معهم؟
ومن يضمن ألا تكون مجرد خطوة تاكتيكية للوراء حتى يتحصلوا على فرصة أخرى للاقتناص كما يفعن أقاربهم فى تركيا؟